KHAN ELKHALILI

vendredi, décembre 29, 2006

mercredi, décembre 27, 2006

قوانين الفوضى والعشوائية

عقلنة الفوضى
محاولة لفهم أسباب الفوضى والحركة العشوائية
فى النظام المصري
من حسابات الفوضى
منذ ان اطلقت الأنسة كوندوليزا رايس عبارتها الشهيرة عن الفوضى الخلاقة انهارت التعليقات والكتابات بشكل من التداعي الذي يحدث فى الاحلام او اثناء جلسات التحليل النفسي. لا ادعي انني تابعت كل الكتابات والتعليقات وربما ليس معظمها لان الكثير الذي قراته كان يكفي القاء نظرة سريعة على اول المقال وأخرى فى أي مكان من جسم المقال وثالثة فى نهايته لتعلم ان المكتوب يظهر من عنوانه كما يقول المثل. بداية لابد من تنبيه القارئ الى أن الأنسة رايس ليست صاحبة هذا المصطلح وللدقة فهي ليست صاحبة مصطلح الفوضى ولا أعرف اذا كانت قد اضافت الخلاقة من عندها أم انها قد اقتبسته ايضا من الاعمال الفنية الكثيرة التى استلهمت مفهوم الفوضى فى كثير من الاعمال التى يجد القارئ نماذج منها هنا. لكن الغريب فى الأمر ان الأنسة رايس كانت تعلم تماما عما تتحدث فى حين ان كل أو معظم من تصدوا لها بالرد أو الاستهجان لم يكونوا على نفس المستوى من الادراك ، كيف؟ لكي نفهم ماذا كانت تعني الانسة رايس من استخدامها لتعبير الفوضى مضاف اليه الخلاقة كان من الضروري ومن اولويات التفكير السليم البحث عن معنى هذا المصطلح أو المفهوم "الفوضى" لكن حسب علمي وربما اكون مخطئا فإن الجميع اخذ هذه الكلمة وتعامل معها على المستوى الاول أى وفقا للمعنى الدارج او الشائع للكلمة. ولأن التشخيص من البداية كان خاطئا كان لابد ان تتسم المعالجات بكثير من سوء التناول أو سطحية التحليل. ربما يتذكر من لايزال يعنيهم الأمر ان الأنسة رايس متخصصة فى العلوم السياسية وان من بين المجالات التى يتم تدريسها وإجراء البحوث والدراسات بل والتطبيقات عليها ما يعرف بنظريات الفوضى والكوارث بالإضافة الى نظرية الالعاب والسيناريوهات الافتراضية وبطبيعة الحال الدراسات المستقبلية الخ. الشئ المثير للدهشة هو ذلك الصمت المطبق من جانب الباحثين والخبراء بل ومديري مراكز البحوث الاستراتيجية الذين يتباهون عمال على بطال و يستشهدون فى كتاباتهم بالنظريات الغربية عموما والدراسات والمراجع الامريكية على وجه الخصوص. لم اصادف فى كتابات أي من هؤلاء الذين يصنفون بالليبرالين العرب الجدد ان نبه الى اصل هذا المصطلح وماذا يعنيه من مفهوم . من المعروف ايضا خصوصا لهؤلاء الخبراء الذين انتقل مجال البحث والتحليل عندهم من المكتبات ومتابعة الجديد فى الدوريات المتخصصة الى القنوات الفضائية والمعارك الصحفية المتمركزة حول الذات أكثر من الموضوع ان هذا المصطلح ليس بجديد كما انه لايخص مجال السياسة فقط. اعتذر لأصدقاء خان الخليلي عن ذلك التمهيد المطول عن أشياء من المفترض ان تكون بديهيية. لم تستخدم الانسة رايس هذا المصطلح فقط فى احدى تصريحاتها، بل انها اختبرت مدى صحته فى التطبيق بالفعل فهى متخصصة فى الدراسات السوفيتية وكانت تعمل سواء فى المجال الاكاديمي او السياسي فى مجال تعرفه جيدا ثم جاءت فرصة تطبيق النظريات التى تدرس فى الجامعات لكل من يدرس العلوم السياسية لكي يتم تطبيقها عمليا. حدث ذلك فيما رأيناه جميعا وبشكل محدد منذ 1989 مع انهيار سور برلين وبعده الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية الى ان وصل الامر الى تفكيك او محاولات تفكيك الاتحاد الروسي نفسه وهى محاولات لازالت مستمرة لكن العقل الروسي يبدو انه استعاد الامساك بزمام الامور بعد كل ماحدث.1

ما يحدث فى العراق تم اختباره وتطبيقع من قبل فى يوغسلافيا التى اصبحت سابقة مثل الاتحاد السوفيتي السابق وتمهيدا لمايراد له الشرق الاوسط او العالم العربي وفقا لمشروع القرن الامريكي الجديد الذي صاغه منظروا المحافظون الجدد .1 استطردت أو استدرجت الى هذا التمهيد الذي لم اكن افكر فيه احتراما للتخصصات المهنية حيث انني ليس من خريجي كلية العلوم السياسية لكنني من خريجي كلية العلوم فقط!1

لكن كم كانت دهشتي وفى نفس الوقت سعادتي الفكرية عندما اكتشفت ان أصل هذا المصطلح الذي اثار كل هذه الزوابع والثرثرات مأخوذ من مجال العلم الطبيعي وهو ما درسته فى كلية علوم القاهرة عندما كانت كلية محترمة وقبل ان نرى فيها اساتذة وليس معيدين او طلابا يفسرون النظريات العلمية فى الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والفلك بواسطة الآيات القرآنية والاحاديث النبوية . اذن مصطلح الفوضى ومنه الفوضى الخلاقة وكذلك مايعرف بالحركة العشوائية او السلوك العشوائي الذي كان يدرسه لنا اساتذة افاضل بشكل رائع بالفعل كما كانوا يدرسون لنا ميكانيكا الكم والفيزياء النووية والالكترونيات لم يكن مجرد لفظ على الطلاب ان يحفظوه ثم يلقون به يوم الامتحان اذا سؤلوا فيه، هذا المصطلح المفهوم تحول الى احد اركان البناء المعرفي الذي ترسخ عبر نظريات واكتشافات العلم الطبيعي فى القرن العشرين. ولأنه مفهوم يتجاوز اللفظ به، فلقد انتقل الى مجالات معرفية وتطبيقية كثيرة من بينها مجال النظرية السياسية والعلوم الاجتماعية والانسانية ووجد له تطبيقات عديدة اثبت الكثير منها صحته العلمية.1

اكتفي بهذا القدر التمهيدي واطلب من اصدقاء وزوار خان الخليل فى هذا العدد التحلي بالصبر عند قراءة النص الذي يلي ذلك وهو محاولة لفهم مدى إمكانية تطبيق ما تعلمناه على الواقع المصري او هى محاولة للتفكير بشكل مختلف عما هو سائد فى مصر الآن. قد يبدو هذا التناول بهذا الشكل نوع من المغامرة التى قد ترهق البعض فكريا نظرا لشيوع نوع آخر من القضايا التى احتلت مقدمة الإهتمامات سواء فى الصحافة او وسائل الاعلام الاخرى وفى القلب منها التليفزيون الذي هيمن على كل شئ حتى اصبح الأداة الاساسية للعمل السياسي كما ان اي نشاط ثقافي أوفكري لايمر عبر التليفزيون لايسمع احد شيئا عنه وهذا يفسر ما اصبح عليه حال الثقافة والفكر فى المجتمع المصري.1

تطبيقات نظريات الفوضى لاتقتصر فقط على مجال العلم السياسي كما شهدنا جميعا ونشهد حاليا وسنشهد فى المستقبل، لكن يتم تطبيقها ايضا فى مجال العلم الاجتماعي بشكل عام و سوسيولوجيا الدين ودراسة النظم الاجتماعية السياسية بشكل خاص. فى الجزء التالي محاولة لشرح هذا المفهوم تمهيدا لتطبيقه على النظام الحالي فى المجتمع المصري كمثال يمكن ان نعممه على بقية المجتمعا ت العربية. لكي نطبق العلم والنظريات العلمية التى يستخدمها خصومنا ضدنا علينا ان نتحلى بداية بتفكير علمي ونتصدي للتفكير السلفي سواء كان من السلفية الدينية او السلفية اللادينية لان السلفية لاتقتصر على المجال الديني فقط بل ان معطم مانشاهده ونعاني منه ياتي من قوى السلفية اللادينية.1

هناك اسئلة كثيرة مطروحة ومعارك أكثر تستحوذ على اهتمامات النخب المصرية ولقد تناولت خان الخليلي موضوع النخب المصرية وكيفية انتاجها فى المجتمع المصري وكذلك آليات انتاج وإعادة انتاج النخب فى المجتمع المصري وتدوير هذه النحب المصرية فى الوقت الحالي من قبل ويمكن للقارئ ان يرجع الى الاعداد السابقة للاطلاع على مانشر والذي لايزال له اجزاء فى طريق الاستكمال والنشر قريبا. لكن بقدر كثرة الاسئلة والقضايا الاساسية إلا ان ما يحتل إهتمام الصحافة ووسائل الاعلام يمكن ان ينطبق عليه وصف القضايا الزائفة التى تعالج بشكل بالغ الجدية وافضل مثال على ذلك هو الدور الذي يلعبه التليفزيون حيث نرى كيف تعالج القضايا الزائفة بشكل بالغ الجدية فى حين ان القضايا شديدة الاهمية والجدية تعالج بشكل زائف او لاتعالج على الاطلاق. ان الظواهر الجديدة التى طفت على سطح المجتمع وهى الظواهرر التى شهدها المجتمع المصري خلال السنوات الاخيرة لايمكن فهمها دون تحليل لطبيعة الآليات التى تنتج هذه الظواهر وهى فى صميم موضوع زيادة الانتروبيا فى النظام الاجتماعي السائد ويمكن لمن يريد مزيد من الاطلاع على هذه الآلية فى التعامل مع القضايا فى وسائل الاعلام ان يعود الى كتاب عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو عن هذا الموضوع والذي ترجم تحت اسم التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول الذي صدر منه ثلاث طبعات حتى الآن وستصدر طبعة رابعة منه قريبا عن دار ميريت بالقاهرة. كما يمكن الاطلاع على العرض الوافي لهذا الموضوع فى الاعداد السابقة فى ارشيف خان الخليلي.1

فى نهاية هذا التمهيد أرجو من القارئ العزيز ان يتحلى ببعض الصبر عند قراءته لما يلي من نصوص ذلك ان غياب التحليل العملي والمعالجات العلمية من هذا النوع لقضايا المجتمع المصري قد ترك انطباعا بان التحليل والتناول العلمي شئ ليس من اختصاصنا ويكفينا قضايا الشغوذة والحجاب وفتاوي القنوات الفضائية واذا فرض موضوع اساسي نفسه فإنه يعالج بطريقة تتسم بالرؤية الأنية والمصلحية التى تتصور ان تأمين مصلحة وامتيازات فئة او جزء من النظام يمكن ان يكون بديلا عن اعادة بناء النظام الاجتماعي السياسي بأكمله طالما ان ادوات الضبط البوليسي والاعلامي تستخدم كبديل عن الاستخدام الأمثل للموارد والطاقات الكلية فى المجتمع. لقد اصبح التليفزيون اداة للهيمنة والضبط السياسي والاجتماعي ويلعب بجانب النظام الامني المتضخم دور السيطرة على الفوضى المتزايدة فى النظام . يكفي تامل الكيفية التى يتم بها معالجة قضايا تدخل فى صميم بنية وآلية عمل النظام السياسي أى مسألة تعديل الدستور وكيف ان القائمين على تصميم وهندسة النظام الاجتماعي السياسي لايدركون على الاطلاق ان مايحدث بالشكل الذي يحدث به هو اصرار على دفع الانتروبيا الى التعاظم أى الدفع باتجاه زيادة الفوضى فى النظام. التعديلات أو التفصيلات الدستورية التى يتم تجهيزها حاليا لاتحتاج الى اثبات ان ثمة غياب فعلي للتفكير العلمي والعقلاني الذي يبحث عن تقليل مقدار الفوضى او الانتروبيا فى النظام الحالي بل ان كل الخطوات والاجراءات التى تتم تدفع باتجاه زيادة الفوضى وقد تحتاج هذه المسألة معالجة خاصة لانها نموذج مثالي عن العقلية اللاعلمية السلفية التى تتولى مسئولية ادارة النظام الاجتماعي السياسي فى المصري حاليا..1 الى اللقاء

dimanche, décembre 24, 2006

قوانين الفوضى والحركة العشوائية فى المجتمع المصري

مقدمة فى فهم قوانين الفوضى والحركة العشوائية
فى المجتمعات العربية
المجتمع المصري نموذجا
النظام والفوضى مفهومان مترادفان، لأنه لايمكن فهم معنى الفوضى كما تعرف فى الدراسات العلمية إلا من خلال تعريف معنى أو مفهوم النظام. هناك مؤلفات كثيرة جدا فى مختلف مجالات العلوم الاجتماعية تناولت موضوع النظام ولقد كانت العلوم الطبيعية وخصوصا علمي الفيزياء والكيمياء أول من تناول بالدراسة والبحث هذا الموضوع وثمة قانون أساسي فى علم الديناميكا الحرارية يتناول هذا الموضوع ويقدم صياغة نظرية يمكن من خلالها حساب مقدار الفوضى الموجودة فى أي نظام . يعرف علم الديناميكا الحرارية مفهوم النظام وكذلك معنى أو مفهوم الفوضى من خلال دراسة كيفية استخدام أو استهلاك أي نظام للطاقة، وهنا يجب تعريف ماهية النظام. النظام وفقا لقانون الطاقة هو أي< شئ > يمارس أنشطة ويتبادل المعلومات مع الوسط المحيط به ويكون قادرا على الحفاظ على صفاته وخصائصه أي هويته من اجل تحقيق هدف او غاية محددة، وهو بذلك عبارة عن مجموعة من الصفات والخصائص ذاتية التنظيم أي "هوية". لكن أى نظام هو ايضا تصميم أو بناء يتكون من أجزاء مختلفة كل منها يؤدي وظيفة محددة داخل البناء الكلي للنظام من اجل تحقيق الهدف.1 بهذا المعنى فإن النظام عبارة عن بناء متفرع ومتراكب ترتبط الاجزاء المكونة له فيما بينها بواسطة نسق متزايد التعقيد كما يحدد عمله آليات ووظائف يقوم بها كل جزء من اجزائه المختلفة لتحقيق هدف أو غاية محددة. كل جزء من اجزاء النظام يمكن ان يتحول من مجرد نظام فرعي فى بنية او هندسة النظام الكلي الى نظام قائم بذاته يتركب بدوره من أجزاء أو أنظمة فرعية تؤدي وظائف محددة لتحقيق هدف معين وبذلك لا يقتصر دوره على كونه مجرد جزء أو امتداد فرعي للنظام العام.1 عندما تتزايد درجة تعقيد وتراكب نظام ما بسبب تحول الاجزاء المكونة له الى أنظمة قائمة بذاتها تتسم بدورها بدرجات مختلفة من التعقيد، تصبح العلاقة التى تربط النظام بإجزائه أكثر تطورا وأكثر تعقيدا. ينتظم تراكب او بناء النظام وفقا لقاعدة القيادة التى تقول بأنه لكي يقود نظام ما نظام آخر يجب ان تكون درجة التعقيد الخاصة بالنظام الذي يقود مساوية أو أكثر من درجة تعقيد النظام المقاد. من وجهة نظر حساب القيمة فإن قيمة نظام ما تكون بالتالي اكبر من قيمة مجموع الاجزاء التى يتكون منها.1
لكي يعمل نظام ما بكفاءة يجب ان تعمل الاجزاء المكونة له بكفاءة وذلك من خلال التصميم أو البناء الهندسي
الذي يربط الاجزاء فيما بينها. من الهام جدا الاشارة هنا الى انه من العبث بل لن يفيد شئ على الاطلاق ان يتم تفعيل وتحقيق كفاءة جزء من أجزاء النظام دون ان يشمل ذلك مجمل الاجزاء التى يتكون منها النظام، ذلك ان هدر أو تشتت وتبدد الطاقة سيكون كبيرا وهو مايعنى بلغة حسابات الطاقة ان قيمة الانتروبيا تصبح عالية جدا أى ان مقدار الفوضى داخل هذا النظام يصبح كبيرا. علينا هنا ان نقف قليلا امام هذا المصطلح الذي يستخدم كثيرا هذه الايام لكن دون معرفة ما يعني من الناحية العلمية، لذا نقدم فيما يلي بعض المفاهيم الأساسية لفهم ماذا نعني بالفوضى وكيف يمكن قياس مقداره الفوضى فى نظام ما بواسطة معرفة قيمة " الانتروبيا" الخاصة بهذا النظام.1
ENTROPY
ENTROPIE
الانتروبيا
لا توجد كلمة عربية مقابلة للكلمة الانجليزية او الكلمة الفرنسية ولقد ترجم هذا المصطلح الى اللغة العربية أحيانا بكلمة قصور الطاقة واحيانا اخرى بكلمة " انتروبيا" ونحن نفضل استخدام كلمة انتروبيا. عندما نتحدث عن الانتروبيا أو عن الحركة العشوائية او عن الطاقة المهدرة والمشتتة فى أي نظام فإننا نتحدث بتعبير آخر عن الفوضى. ذلك ان كل هذه الاوصاف تعني فى الحقيقة نفس الشئ من حيث المفهوم. لكن نفس الشئ من حيث المفهوم لايأخذ نفس الشكل من حيث التجسد او التجلي فى الظواهر التىيتم دراستها فى العلوم الطبيعية وتلك التى تخضع للدراسة والبحث فى مجالات العلوم الاجتماعية والانسانية. ونفس الشئ ينطبق عند دراسة مقدار الفوضى أي"الأنتروبي" فى أي نظام ينتمي الى أي مجال آخر من مجالات الحياة. من هنا فإن تعريف الانتروبيا هو المدخل الطبيعي للموضوع الذي نعالجه اليوم.1 لقد تم الاتفاق بين الجماعة العلمية على ان الانتروبيا هى مقياس للفوضى التى توجد فى أي نظام، من هنا ولكي نفهم هذا المصطلح/المفهوم شديد الاهمية فى البناء المعرفي الحديث، علينا ان نحتفظ فى ذهننا دائما بمفهوم << النظام >> كما تم عرضه سابقا. لكن، حتى يكتمل مفهوم <<النظام>> ويصبح أكثر وضوحا فى ذهننا، علينا ان نستكمل بعض التحديدات النظرية لهذا المفهوم. فبالاضافة الى التعريف السابق هناك خواص وسمات من الضروري يتمتع بها أى نظام حتى يستمر فى أداء وظائفه وتحقيق أهدافه. لكى يتحقق ذلك يجب ان يكون النظام فى حالة توازن، أى ان يكون فى وضع يسمح له بان يعيد انتاج ذاته، وبالتالي تأمين استمرارية أداء الوظائف وتحقيق الأهداف. لكن، اذا لم يتمتع النظام بالتوازن الضروري لاستمراريته أو اذا لم يمتلك النظام هدف أو غاية يسعى الى تحقيقها، فإنه يتدهور ويتفكك تحت تأثير الزيادة الكبيرة فى الطاقات المهدرة والمشتتة التى لاتستخدم فى آداء الوظائف أو تحقيق الاهداف، بعبارة اخرى فإن الارتفاع الهائل فى قيمة الانتروبيا أي الفرق بين قيمة الطاقات التى يحتويها أوالتى يتم ادخالها فى أي نظام ومقدار العمل أو الشغل أو بشكل عام قيمة النتائج المحققة التى يتم الحصول عليها فى هذا النظام. اذن الانتروبيا بإختصار شديد هى مقياس لدرجة أو لمقدار الطاقات المهدرة الغير موظفة فى أي نظام، الانتروبيا مقياس لمقدار الفوضى.1
قبل ان ننتقل الى تناول الامثلة التطبيقية التى ستوضح ماسبق، ثمة اضافات اخرى لاستكمال مفهوم <<النظام>>. حتى الآن نحن نتحدث عن النظام الذي يتكون من اجزاء يمكن ان تكون بدورها نظم قائمة بذاتها فى نفس الوقت التى تظل فيه جزءا من النظام العام. حتى نقترب من ذلك المفهوم نأخذ النظام الاجتماعي السياسي فى المجتمع المصري كمثال، ولانحتاج هنا للتأكيد على ان هذا النظام يتكون من أنظمة فرعية عديدة تشكل فى مجموعها هذا النظام. هناك نظام التعليم الاساسي والتعليم العالي ونظام البحث العلمي الخ، النظام الصحي، نظام المواصلات، نظام الاتصالات والمعلومات، النظام الاقتصادي الذي يضم بدوره انظمة فرعية مثل النظام المالي ونظام البورصة والبنوك والموارد البشرية الخ. من ناحية اخرى يمكننا الاستطراد فى سرد الامثلة التى توضح ذلك فنتحدث ايضا عن النظام السياسي ونظام الاحزاب والتنظيمات والجمعيات والنظام البرلماني ونظام الانتخابات الخ. كل ذلك يتعلق بالنظام الاجتماعي السياسي فى المجتمع، لكن اذا تقدمنا خطوة اخرى نحو مزيد من التعقيد وتصورنا ان النظام الذي نتحدث عنه هو ايضا جزء من نظام آخر متعدد الأطراف، أي انه يقع فى منطقة جغرافية لها خصائص وصفات تاريخية وثقافية تربط بين المجتمعات المختلفة التى تضمها، اي اننا نتحدث هنا عن علاقة تربط بين أطراف مختلفة يتكون منها هذا النظام الذي يسمى بالنظام الاقليمي مثلا. يمكننا ان نتخيل درجة اكثر من التعقيد فنتحدث عن الشرق الأوسط او الشرق الاوسط الكبير أو حتى النظام الدولي. هنا نجد انفسنا مطالبين باستخدام وسائل وأدوات اخرى بالاضافة الى ماسبق وتدخل مجالات اخرى فى التحليل والدراسة. وهذا يقودنا الى الحديث سريعا عن نظرية لها علاقة بمفهوم الانتروبيا ومصطلح الفوضى وان كانت تستخدم اساسا فى مجال العلوم السياسية وتعرف بنظرية اللعب أو الالعاب.1
La Théorie des Jeux
نظرية الألعاب
يحقق نظام متعدد الاطراف توازنه وفقا لمبدأ يعرف بمبدأ كورنو - ناش أو مايعرف فى مجال العلوم السياسية باسم نظرية الألعاب. هذه الحالة من التوازن تعرف بحالة التوازن الاقصى وهى الحالة التى لايعرف فيها أي من اطراف اللعبة استراتيجية الاطراف الاخرى فى نفس الوقت الذي لايستطيع فيه تحسين الاستراتيجية الخاصة به، هنا يصبح النظام الذي يضم هذه الاطراف فى حالة توازن. بالاضافة الى ذلك من الممكن ان يتحلى نظام ما بوضع يكون فيه قابلا للتوقع والحساب، أو أن يكون فى وضع مغاير لذلك تماما، أي لايمكن حساب أو توقع ماذا سيكون عليه فى المستقبل. لكن عدم التوقع أو عدم إمكانية حسابات المستقبل لنظام ما لا يعني اختزال الحالة المستقبلية لهذا النظام وفقا للوضع الذي يوجد عليه فى الوقت الراهن، هنا تتداخل قوانين حساب الطاقة "الانتروبيا" مع القواعد التى تحكم التوازن بين اطراف متعددة يضمها نظام واحد "نظرية الالعاب". لكن كيف يمكن التعامل مع كل ذلك دون ان يكون هناك امكانيات فعلية مجسدة فى مؤسسات وآليات تعمل خلفها عقول تمتلك نفس القدر من التركيب والتعقيد الذي يتناسب مع تعقيد الاوضاع التى يراد توفير حساباتها سواء على المستوى المجتمعي او المحلي او مستوى التعامل الاقليمي والمناطقي والدولي؟ لابد هنا من الاشارة الى ان مناهج الدراسة والبحث التى تتعامل مع مثل هذه القضايا هى مناهج متعددة المجالات ويطلق عليها كذلك اسم مناهج التعقيد. هذه المناهج تضم مجالات مثل السيبرنتيكا أو علوم الحاسبات كما تضم مجالات دراسية اخرى مثل الطب العقلي وبوجه خاص نظرية الشيزوفرانيا <انفصام الشخصية>، دراسات البيئة، الانثروبولوجيا، الفلسفة السياسية من خلال نظرية النظم. علم البيوسيميوتيك وهو من بين المجالات التى استحدثت أخيرا " Biosemiotics وهو مجال متخصص فى دراسة الاتصالات وعمليات انتاج الاشارات بين النظم الحيوية و كذلك علم اجتماع النظم خصوصا فى المدارس الوظيفية والاتجاهات التى تتبنى دراسة المجتمعات باستخدام مقاربات بيولوجية او مقارنة دراسة المجتمع بدراسة الجسم البشرى ومن اشهرها علم الاجتماع الوظيفي وعلم النفس الوظيفي الخ.1 Functionalism قبل ان ننهى هذا التقديم النظرى، وقبل ان ننتقل الى محاولة تطبيق ذلك على ما يمكن ان نسميه بقوانين الفوضى والحركة العشوائية فى المجتمع المصري، لابد من الاشارة الى ان تاريخ دراسة ظواهر الفوضى والنظام يمتد الى عدة قرون مضت، كما ان العديد من الأسماء الشهيرة كان لها اسهامات فى دراسة هذه الظواهر فى مجالات تمتد من علم البيولوجيا الى الرياضيات والفيزياء والكيمياء وصولا الى علوم المعلومات والاتصالات الحديثة. ونترك للقارئ الذي يريد ان يرجع الى تاريخ تطور مفهوم <<النظام>> وكذلك مراحل اكتشاف مايعرف بالحركة العشوائية او البراونية ونظرية الفوضى والتطبيقات المختلفة لذلك فى مجال العلوم الاجتماعية والانسانية وكذلك الطب العقلي الخ. الايجاز التالي الذي يمكن من خلال الوصلات التى يتضمنها ان يصل الى مزيد من التحليلات والمعالجات الأكثر تخصصا، ذلك ان هدفنا هنا ليس تناول مفهوم <<النظام>> و <<الفوضى>> من وجهة النظر الفيزيائية أو العلمية البحتة، لكن مانهدف اليه هو كيفية تطبيق ذلك على الوضع الراهن فى المجتمع المصري وهو ما تتطلب هذا التمهيد النظرى.1
بالنسبة لاكتشاف الحركة العشوائية يمكننا ان نؤرخ ذلك بعام 1827 عندما اكتشف العالم البريطاني روبرت براون هذه الظاهرة التى تتمثل فى ان هناك جزيئات فى كل نظام ثرموديناميكي لاتخضع لقوانين حساب الطاقة المعروفة وهو ما اصبح يعرف بالحركة العشوائية أوالحركة البراونية . بعد ذلك بثلاث وعشرين عاما اكتشف العالم فيزياء آخر هو رودولف كلاوسيوس المبدأ الثاني للديناميكا الحرارية المعروف بقانون الانتروبيا وذلك فى عام 1850 ، لكن تاريخ اكتشاف هذه الظاهرة يمتد الى ماقبل ذلك بكثير عندما لاحظ عالم الفسيولوجيا الالماني جان انجنهوس هذه الظاهرة فى عام 1785 لكنه لم يطوردراسته لها فى ذلك الوقت. وبعد اتجنهوس وبراون وكلاوسيوس تناول عالم الفيزياء الشهيرالبرت اينشتين هذه الظاهرة فى عام 1905 فى سياق نظريته عن النسبية الخاصة كما تناولها ايضا عدد آخر من علماء الفيزياء الحديثة مثل فيرنر هايسينبرج و شرودينجر بالاضافة الى كل من دي بروجلي و Enrico Fermi انريكو فيرمي Ilya Prigogine اليا بيرجوجين
يمكن تصور او تقريب هذه الظاهرة الى ذهن القارئ من خلال نماذج تقدمها الفزياء الافتراضية ، ولمن يريد ان يعرف المزيد يمكنه ان يبحر فى هذا العالم الافتراضي الذي يدرس الظواهر الحقيقية سواء فى مجال العلوم الطبيعية او مجالات العلوم الاجتماعية والانسانية.1 لم يقتصر تأثير مفهوم الفوضى الذى بدأ من مجال العلم الطبيعي على مجالات العلوم الاجتماعية والانسانية والنظرية السياسية بل نجد الكثير من الاعمال الفنية فى الموسيقى مثل ملائكة الفوضى وكذلك العديد من الاعمال الفنية التى تستلهم نفس المفهوم وكلها تقدم صورا من العلم والفن مستوحاة من عالم الفوضى.1 .
الانتروبيا المصرية
الآن وبعد هذه التمهيد الضروري الذي قد يتطلب بعض الجهد والتركيز الذهني من القارئ وهو امر غير مألوف هذه الأيام، هل يمكن لنا ان نتأمل فى الحالة المصرية؟ أي، هل يمكن حساب مقدار الانتروبيا في المجتمع المصري؟ كم يبلغ مقدار الفوضى الموجودة فى النظام السياسي/ الاجتماعي المصري؟ أي ماهو مقدار الطاقة المبددة والمشتتة فى النظام الاجتماعي السياسي القائم فى مصر؟ هل هناك من يهتم بتقليص مقدار الانتروبيا الى اقل قدر ممكن أم ان القائمين على إدارة النظام لايدركون الأبعاد الحقيقية لهذا الموضوع؟ هل يتم توظيف الموارد ،أي الطاقات، البشرية والطبيعية بالشكل الامثل بحيث يمكن تحقيق أفضل قيمة من العمل "الشغل" أو الناتج مقابل مايتم استهلاكه او استخدامه من موارد أو طاقات؟ هل يتصور القائمون على إدارة النظام ان وجود مجموعة او نظام فرعي سواء كان لجنة او حتى حزب باكمله يمكن ان يكون حلا لعمل النظام بكفاءة حتى مع افتراض ان هذه اللجنة أو هذا الحزب يعمل بكفاءة، فى حين ان غالبية ان لم يكون جميع المؤسسات <النظم> الفرعية التى يتكون منها النظام لا تعمل بكفاءة بل تتميز بنسبة هائلة من اهدار الطاقات اي انها تتسم بقدر هائل من الانتروبيا؟ ألا تدل الظواهر التى شهدها المجتمع المصري ولايزال على ان المطلوب ليس لجنة سياسات تضم نخبة حتى مع افتراض انها تعمل بكفاءة عالية "وهو امر تدل كل الشواهد على عدم صحته" ام ان المطلوب وبشكل عاجل توظيف كل العقول والامكانيات من اجل بناء نظام اجتماعي/سياسي جديد يبنى على اساس كفاءة عمل كل الاجزاء والنظم الفرعية التى يتكون منها هذا النظام بشكل يحقق التوازن ويؤمن استمرارية وإعادة انتاج المجتمع لذاته وفقا لأهداف واضحة وهندسة وفلسفة اجتماعية /سياسية تحقق مشاركة وتوظيف كل موارده وطاقاته دون هدر او تبدبد؟ هل يمكن تصور إمكانية استمرار الوضع الحالي لمدة طويلة؟ ماذا يفيد ان يكون هناك من يستخدم وسائل مواصلات فردية فاخرة فى حين ان نظام المواصلات العام من نقل داخلي وسكة حديد ونقل بحري الخ يعاني من الانهيار؟ هل يمكن لبعض المدارس والجامعات الخاصة حتى مع افتراض انها تعمل بكفاءة، وهذا ايضا امر غير صحيح، ان تشكل بديلا عن نظام التعليم العام الذي لايختلف اثنان على انه يعاني من تدهور المستوى والانهيار؟ هل تشكل بعض التعديلات على مواد الدستور حلا لمعاناة النظام الدستوري باكمله من عدم التوازن وغياب فلسفة حاكمة لمشروع مستقبلي فى ظل تجاوز فارق لمواد الدستور بسبب من تغيرات بنيوية محلية وخارجية تتطلب مشروعا للمستقبل يحتكم الى فلسفة ورؤية علمية وعقلانية وليس الى ترقيعات تجميلية لاتنتج الى ثغرات جديدة لتبديد الإمكانيات وهدر الطاقات أى لمزيد من الانتروبيا أو الفوضى؟ هذه الاسئلة تستدعي اسئلة اخرى لانهائية وهذا مايدل على ان النظام الاجتماعي / السياسي الحالي هو نظام يتسم بدرجة هائلة من عدم التوازن وهدر الطاقات، ولا داعي للتذكير والتكرار لأن مظاهر الخلل وعدم توازن النظام واضحة جلية فى كل مكوناته او النظم الفرعية التى تشكله من نظام التعليم ونظام المواصلات ونظام الرعاية الصحية ونظام البحث العلمي وصولا الى نظام الصرف الصحي ومياه الشرب الخ.1

من العبث كما اشرنا فى بداية هذا التناول تصور ان يحقق نظام ما نتائج متوازنة بحساب الطاقات لمجرد ان جزء من النظام يبدو انه يعمل بكفاءة فى حين ان باقي الاجزء التى يتكون منها النظام لاتعمل بالكفاءة اللازمة . تقليل قيمة الانتروبيا او الفوضى القائمة في النظام يجب ان يكون الهدف الاستراتيجي لأي سياسات أو مشروعات مستقبلية وغير ذلك لن يكون إلا عبث لايعود على النظام بأي فائدة. قد يستمر نظام ما فى العمل لمزيد من الوقت لكنه يستمر فى تبديد الطاقات وهدر الموارد فى ظل فقدان لأهداف وغايات واضحة للمستقبل ، كل ذلك يعاظم من قيمة انتروبيا النظام او قيمة الفوضى حتى تحين حالة الانهيار التام ويتوقف النظام بأكمله عن العمل بما فيه ذلك الجزء او تلك الاجزاء التى كان يتصور انها تعمل بكفاءة. من يهمه مستقبل مصر عليه ان يتحلى بتفكير علمي فعلي وممارسة عملية عقلانية ولن يفيد شئ تلك الحلول التلفزيونية أو زيادة أدوات التحكم وكبت الطاقات المهدرة والمشتتة لانه مهما كانت صلابة الاجهزة التى تقوم بذلك إلا انها فى نهاية الامر جزء من هذا النظام الذي يبدد الطاقات الكلية للمجتمع و تتزايد فيه قيمة الانتروبيا باستمرار حتى تحين لحظة الانهيار او التوقف التام عن العمل. 1

فى نهاية هذه المقدمة التى طالت بعض الشئ، ثمة دعوة لكل من يرى فى هذا التحليل منهج مختلف عما هو سائد، دعوة للتأمل والتفكير فى كيفية بناء مشروع مستقبلي لمصر يستخدم منهجا علميا بالفعل فى حسابات الطاقات والامكانيات ويدرك قوانين الفوضى والكوارث ونظريات الألعاب، هل هناك من يرغب فى اللعب؟

الى اللقاء لنستكمل معا البحث عن قوانين الفوضى والحركة العشوائية فى المجتمع المصري علنا نقدم ما يساعد على تقليل مقدار الانتروبيا و التصدي السريع لهدر الطاقات والامكانيات.1

dimanche, décembre 10, 2006

نظرية الفوضى CHAOS THEORY

قوانين الفوضى و النظم العشوائية
بين
العلم الطبيعي والعلم الاجتماعي
CHAOTIC SYSTEMS
AND
RANDOM MOTION
نظرية الفوضى والنظم العشوائية
محاولة لفهم
الاساس العلمي والتوظيف السياسي
الى اللقاء قريبا

vendredi, décembre 01, 2006

تعليق على ماحدث

موظفات مصريات ينتظرن الاوتوبيس
لماذا تحجبت المرأة المصرية ؟
المثقفالآني
(المثقف الآني)
بين
الوزير والحجاب
محاولة لفهم ماجرى
بداية، لماذا تعود الافكار والمعتقدات الغيبية اللاعلمية واللاعقلانية لتظهر من جديد ؟ كيف نستطيع ان نفهم تلك الظواهر المتمثلة فى صعود التيارات السلفية (دينية ولادينية) الى السطح واعتلائها منابر الاعلام والثقافة والوجاهة السياسية والاجتماعية ؟ ماالذى يجعلها تطل برأسها فى تبجح غير مسبوق و تتسلل الى نسيج " الثقافة العامة " فى نفس الوقت الذي تتغلغل فيه وتعشعش فى عقول اعداد كبيرة ليس فقط ممن نطلق عليهم لقب "العامة أو البسطاء " بل ايضا فى عقول " النخب و الصفوة " من المثقفين والسياسيين ؟ هذا السؤال الذى يثير الكثير من الحيرة بل والارتباك الفكري لدى الكثيرين يطرح نفسه بقوة والحاح عندما نتأمل المعارك التى يشهدها المجتمع المصري منذ فترة على الصعيدين السياسي والاجتماعي. والقضية لاتتعلق فقط بصعود وتنامي التيارات السلفية الدينية، بل انها متاصلة ايضا فى هيمنة السلفية اللادينية التى تشارك السلفية الدينية بل وتنافسها فى هذا القدر الهائل من التخلف العلمي وهيمنة اللاعقلانية والعشوائية على الأداء فى مختلف مناحي الحياة. فكلا التيارين السلفيين يشتركان فى صفات متأصلة فى الطبيعة الماضوية التى ترفض العقل والتفكير العقلاني ولاتعترف إلا بالهيمنة والتفرد والاستبداد كأسلوب ونظام، ربما يكون الفرق الوحيد بينهما يتمثل فى ان أحد التيارين يمارس كل ذلك بالفعل وان التيار الآخر يسعى الى ان يحل محل
الآول أو على الاقل ان يصل الى عقد صفقة معه !1 السؤال مركب، والاجابة عليه ايضا مركبة، لكن صعوبة السؤال لايمكن ان تكون سببا للهروب المبسط والساذج والوقوع فى اغراء الاجابة " الدوجمائية " السهلة من ناحية، او فى التخاذل والكسل الفكري من ناحية اخرى، ليس من الضروري ان تكون مع هذا الطرف او ذاك، لكن الامر الاساسي هو ان تكون مع حرية العقل والتفكير ومع
حرية التعبير المكفولة بنيويا بقوة القانون والمؤسسات وعمليا بحق الممارسة التى لاتتعرض للقمع والاضطهاد.
* * *
من طبيعة العقليات السلفية المتحجرة انها تخشى وتقاوم اى تغيير يقلل من هيمنتها وسيطرتها على العقول ومقاليد الامور، من هنا فهى تساهم وبقوة فى نشر التفكير الخرافي والعشوائي كما تبخس عمليا من قدر التفكير العلمي والمعرفة العقلانية عن طريق هدر الإمكانيات وخلط الاولويات لان ذلك يشكل المناخ المواتي للاستمرار فى الهيمنة. اذا كان النقد العقلاني والعلمي يجد طريقه بسهولة نسبية عند التعرض لخرافات كهنة الدين الذين لايمكن ان يصمدوا امام حقائق علمية او جدل يستند الى منطق العقل والمعرفة الانسانية فى ابعادها الواضحة والجلية للجميع، إلا ان نقدا حادا ولاذعا يجب ان يوجه الى الكهنة اللادينيين الذين يرتدون الملابس العصرية ويقومون بمهمة تغييب العقل ووأد ملكات الابداع الخلاق. هؤلاء الفلاسفة ومصممي قوانين تقييد الحريات وشخصنة قوانين حماية الفساد وشرعنة الاستبداد الذين يحتلون المناصب الرفيعة ويهيمنون على الحياة الفكرية والثقافية والقانونية فى المجتمع . لكن، احتراما لموضوعية التحليل، من الضروري الاشارة الى ان هذه الظواهر ليست جديدة كما انها لاتقتصر على المجتمع المصري وحده. لقد شهدت اوروبا هذه الظواهر خلال العصور الوسطى ولم تبدأ فى التخلص منها إلا مع عصر التنوير ولم يتم ذلك إلا بعد ان انطلقت الثورة العلمية الحديثة التى واكبها ولحق بها الثورات السياسية والاجتماعية الكبرى. ففى الوقت الذى كان العلم الحديث يقدم فيه رؤية جديدة للكون وللعالم وللمادة وللانسان من خلال اكتشافات كيبللر وكوبرنيك وجاليليو ونيوتن وليبينتز وفاراداى ولافوازييه ولابلاس الخ، كان كهنة الكنيسة من ناحية وكهنة الفكر من فلاسفة هذه العصور من ناحية اخرى يصدرون الاحكام بالتكفير والزندقة على هؤلاء العلماء الذين احرق او اعدم عددا منهم بسبب معتقداتهم العلمية والعقلانية. لقد كان كل اكتشاف علمي اصيل يهز اسس البناء الايديولوجي ويصدم المعتقدات التى كانت سائدة طيلة قرون عديدة.كذلك فلقد كان العنف البربرى لكهنة الدين وكهنة الفكر ضد هؤلاء العلماء يفسره بداية دفاع هؤلاء الكهنة عن مواقعهم سواء فى الاكليرك الكنسي او فى المجتمع بشكل عام، كانت مصالحهم وامتيازاتهم مهددة و محل سؤال سواء كانت هذه المواقع والمصالح دينية او سياسية اقتصادية واجتماعية. والشئ المثير للاهتمام هو ان هؤلاء الكهنة كانوا يلجأون الى سلاح الدين ضد خصومهم من العلماء والمفكرين. لماذا الدين ؟ الاجابة تكمن فيما يعرف فى علم الاجتماع الثقافي ب : " المعرفة العامة والثقافة العامة " . هذه " الثقافة العامة " هى خليط من كل شئ، انها تجمع تراث متراكم من الافكار العامة والمبسطة بل وفى كثير من الاحيان الخاطئة، وهى تنتقل وتعبر الازمنة عبر الاجيال. هذه الثقافة العامة تظل مصدرا ومنبعا خصبا لهؤلاء الذين يعارضون ويقاومون التقدم الانساني بشكل عام والتقدم العلمي والمعرفي بشكل خاص. ان تمسكهم واستدعائهم لسلاح الدين والتقاليد_ وهما من العناصر الاساسية للثقافة العامة_ ليس مصادفة، لقد تم استخدام هذه الاسلحة من قبل عبر التاريخ، والحنين للماضي لايتمثل فقط فى الرغبة فى استدعاء صوره والبكاء على العصور الذهبية التى ولت وانقرضت، انما يتمثل كذلك (سواء كان عن وعي أو بلا وعي) فى استدعاء ادوات هذا الماضي ايضا. اذن الدين، التقاليد، التكفير واصدار احكام القتل ضد هؤلاء " الزنادقة " هى كلها عوامل متكاملة تحكم هذه العقلية التى تحلم وتعمل على " احياء " منظومات التفكير التى انهارت
امام الاكتشافات العلمية والثورات المعرفية التى حققتها الانسانية
طالبات كلية البنات جامعة الأزهر فى الستينيات
لم يكن محجبات
لكن، ثمة ملاحظة اخرى ترتبط بهذه الظاهرة وتطرح سؤالا آخر وهو :لماذا يتكرر ظهور هذه القضايا فى
اوقات الازمات السياسية والمجتمعية الحادة؟ ولماذا يتم تكريس مساحات واسعة من الاهتمام الزائف بها فى وسائل الاعلام المختلفة ويتم والتعامل معها بجدية هائلة فى حين ان القضايا الاساسية التى يعاني منها المجتمع لايتم التعامل معها إلا بسطحية شديدة بل وتلاعب يتسم بالخبث وسؤ النية. الاجابة على هذا السؤال تستوجب بداية التنبيه الى ان هزيمة هذه الافكار البائسة امام بزوغ وتشكل البناء المعرفي الحديث الذى يرتكز على الموضوعية العلمية وعلى العقلانية لا يعني انها قد اختفت نهائيا. ان هزيمة هذه الافكار لايعنى موتها، انها تظل حية كامنة فى نسيج " الثقافة العامة " ، كما انها تتحين الفرصة لتعود من جديد يستدعيها هؤلاء الذين يتصدون للتقدم الانساني ويصيبهم كل ماهو علمي وعقلاني بالهلع والهوس. ان الامر هنا لايتعلق بالعلم بقدر مايتعلق بمجالات المعرفة الانسانية كلها، ذلك ان تركيب وتعقيد الظاهرة يتطلب ان يكون تحليلها وفهمها بنفس القدر من التركيب والتعقيد. المعالجة التحليلية لهذه الظاهرة تحتم استخدام مجالات معرفية متعددة، من علم النفس والتحليل النفسي الى علوم المجتمع بالاضافة الى تحليل بنية وآليات عمل شبكات المصالح والامتيازات، هذه المجالات يمكنها ان تفسر جزء كبير من مواقف هؤلاء الذين يقاومون التغيير والتقدم ويتحصنون بقضايا زائفة ترتدي عباءة الدين احيانا لكنها ترتدي عباءات اخرى فى معظم الاحيان. لايمكن فهم هذه الظواهر الزائفة التى تناقش وتعالج بجدية مبالغ فيها دون ان ننتبه الى القضايا الاخرى الجادة جدا والهامة للغاية لكنها تعالج بسطحية كبيرة وعدم مسئولية لاتحتاج الى اثبات. لايمكن فهم مايحدث فى مصر حاليا دون ان نحاول فهم طبيعة السياسات والبنى الثقافية السائدة منذ اكثر من ثلاث عقود من ناحية، ودون ان نتعرض بالنقد والتحليل لمناهج التعليم والدور الذى تلعبه وسائل الاعلام فى تشكيل " الثقافة العامة " من ناحية اخرى. ان الافكار البالية تهزم ولكنها لاتموت طالما ان الصراع لايزال محتما بين العلم والجهل، بين التقدم والتخلف، بين مصالح البعض ممن يسيطرون على وسائل وادوات تشكيل " الثقافة العامة والوعي العام " وبين طموح ابناء المجتمع بمختلف شرائحه واجياله نحو افاق لا محدوده من المعرفة وقيم العدالة والمساواة والوجود الانساني الكريم. لكن عندما تعاود قيم التخلف والجهل وافكار عصور الظلام الظهور فانها لاتعود محلقة فى الفضاء من تلقاء ذاتها، انها تعود محمولة على اقلام وخطابات، انها تعبر الحدود عبر القنوات التلفزيونية الفضائية والارضية كما انها تتجسد فى ممارسات هؤلاء الذين
يعيشون بعيدا عن حقائق العالم الذى نعيش فيه، حقائقه العلمية والمعرفية، حقائقه المادية والفلسفية.

* * *

لكن، كما ان هناك مفاهيم أساسية اصبحت جزءا من البناء المعرفي الحديث، فإن هناك مفاهيم ملازمة تشير الى العوائق المعرفية و الانقطاعات المعرفية . هذان المفهومان على وجه التحديد قدمهما فيلسوف المعرفة الفرنسي جاستون باشلار ويحدد فيهما الدور الذي تلعبه الاهواء والمعتقدات الشخصية وكذلك المصالح الذاتية فى تزييف القضايا المعرفية، بالاضافة الى ذلك طبيعة دور العادات والافكار الكامنة فى الثقافة العامة فى مقاومة الموضوعية العلمية و التفكير العقلاني. لا يمكن الحديث عن معرفة علمية أو انسانية بشكل عام دون الحديث عن عملية انتاج هذه المعرفة ودور العامل الانساني والاجتماعي وكذلك التكوين النفسي فى عملية انتاج هذه المعرفة. المعرفة الموضوعية تتطلب " الغاء " أو انتفاء العامل الشخصي (الذاتي) واللجوء الى التجريد العقلاني للقضايا والظواهر موضع البحث. فى نفس الوقت الذي يجب الانتباه فيه الى التأثير السلبي لهذه العوامل الذاتية والمصلحية على موضوعية المعرفة والتفكير العلمي، فإن دور الخيال والتخيل كمحرك لعملية الابداع العلمي وكذلك الابداع الشعري والادبي لا يمكن ان يزدهر إلا فى ظل حرية الفكر والتفكير، حرية البحث والفهم، حرية التعبير والممارسة. كم هو محزن حقا هذا الجدال الزائف الذي شغل النخب المصرية خلال الايام السابقة ! لم تهتم هذه النخب بنفس القدر من الجدية بقضية بالغة الخطورة حدثت فى وسط البلد اول وثاني ايام عيد الفطر الماضي رغم ما تحمله من دلالات بالغة التحذير لما هو كامن تحت السطح! لم نسمع عن جدل او مناقشات فكرية او حتى ثقافية عامة حول قضايا تتعلق بالاكتشافات العلمية الحديثة فى الفزياء والكيمياء المعاصرتين او عن النتائج الفلسفية والمعرفية للنظريات العلمية الحديثة فى هذه المجالات وغيرها من مجالات العلم الحديث. حتى القضايا الفلسفية او الفكرية التى يغرق فيها العالم الآن لاهثا وراء الاكتشافات المتسارعة فى مجالات التكنولوجيا المتقدمة وتأثير ذلك على شكل وطبيعة التغيرات التى تشهدها وستشهدها المجتمعات فى المستقبل القريب، كل ذلك اختفى وغاب وراء الحجاب ! اما الفلاسفة الذين لايزالون يمتهنون حرفة الكلام وتفصيل القواعد وحجب ما هو اخطر من الحجاب لعلهم لايدركون ان فلسفاتهم هذه لم يعد لها وجود، وفى هذا العصر اصبح العلم هو الذي ينتج الفلسفة

* * *

تلميذات فى انتظار المترو

بدون تعليق

فى نهاية هذه المحاولة لفهم ماجرى، ربما بشكل مختلف، هناك عدة ملاحظات قد تكون مفيدة للقارئ المهتم بتأمل بعض مايحدث من حوله الان وعلاقة ذلك بأشياء اخرى لاتثار لانها تتخفى وراء حجاب اشد خطرا من الحجاب اياه

***

فى المجتمعات التى تتميز باستفحال الازمات الاقتصادية والاجتماعية وتخضع لهيمنة نظم سياسية لاتسمح بتعددية سياسية حقيقية وبتبادل ديموقراطي للسلطة، تصبح امكانية الحصول على المعارف والمواد الثقافية المتنوعة محصورة فى قلة قليلة جدا ان لم تكن مستحيلة. نتيجة لذك يصبح المصدر الاساسي للثقافة العامة محصورا فى مجالين فقط هما التعليم والاعلام. فى مجال التعليم المدرسة هى مصدر مايتلقاه الفرد منذ سن السادسة وحتى نهاية الفترة الالزامية للتعليم ( نظريا على الاقل اذا ماستبعدنا نسبة التسرب التعليمي وهى عالية ). فى مجال الاعلام يأتي جهاز التلفزيون على قمة ادوات الاعلام التى تصل بسهولة الى جميع افراد المجتمع تقريبا، تلي ذلك الصحف اليومية والدورية وهى فى مجموعها لاتقارن من حيث الاهمية الكمية بعدد مشاهدي التليفزيون. اذن سنكتفي هنا بملاحظتين حول المصدرين الاساسيين للثقافة العامة فى مجتمع مثل المجتمع المصري :1

اولا - المصدر الاول وهو التعليم الاساسي اى المدرسة والسؤال الذى يطرح يتعلق اساسا بما تقدمه المدرسة من ثقافة علمية اى ان السؤال يتعلق بشكل اشمل بقضية برامج او مناهج التعليم. ماهى المواد التى تدرس فى المدارس على مختلف المستويات ؟ ماهى مناهج او طرق التدريس المتبعة ؟ كيف يتم تكوين المدرس (علميا وتربويا...) وماهى اوضاعه الوظيفية (الاقتصادية والاجتماعية) ؟ من الممكن ان نستمر فى طرح العديد من الاسئلة لكن هدفنا هنا ليس بطبيعة الحال ان نناقش تفصيلا هذا الموضوع وانما نريد فقط التنبيه الى ان المدرسة بما تقدمه من معلومات وبالطريقة التى تقدم بها هذه المعلومات تلعب دورا رئيسيا فى تشكيل " الثقافة العامة السائدة " . حتى تكون اهمية وخطورة هذه المسالة واضحة للقارئ يكفى القاء نظرة على ماتحتويه برامج التعليم ليس فقط على مستوى التعليم الاساسي وانما على مستوى التعليم الجامعي. ان مايقدم فى كليات الاداب فى اقسام الفلسفة والعلوم الاجتماعية على سبيل المثال يعكس بوضوح غياب كامل للتفكير العلمي الموضوعي وللعقلانية فى تطبيق المعارف التى تقدم للطلاب. ان تعالج نظريات التطور والنظريات العلمية التى تشكل البناء المعرفي للعالم الذى نعيش فيه بخفة شديدة واهمال ( وبتفسيرات دينية لاعلاقة لها بمجال التخصص) فى مناهج الفلسفة بالجامعات فان ذلك كاف لفهم جزء من الاجابة على السؤال الخاص

بعودة الافكار المتخلفة اللاعلمية واللاعقلانية للظهور والانتشار من جديد

ثانيا - الاعلام اى التلفزيون على وجه التحديد وهو اهم واخطر مصدر للثقافة العامة فى المجتمع, عندما نتحدث عن التلفزيون فاننا نقصد مايقدمه من برامج بشكل عام ومن برامج علمية وثقافية بشكل خاص. التلفزيون يصل تقريبا الى كل فرد. من يتحكم فى التلفزيون يتحكم فى تشكيل والسيطرة على المصدر الاساسي للثقافة العامة. اذا كانت الثقافة العامة بما تحويه من خليط الافكار والقيم السائدة هى الارض التى يلجأ اليها هؤلاء الذين يقاومون التقدم ويحاربون كل ماهو علمي وعقلاني فان التلفزيون يقدم لهم هذه الامكانية بهيمنة ساحقة. كذلك وحتى لاتتحول هذه الملاحظات عن هدفها اذكر هنا مثاليين فقط يمكن ان يعبرا بشكل واضح للغاية عن الدور الذى يقوم به التلفزيون فى تشويه الثقافة العلمية وترسيخ الجوانب الغيبية والمتخلفة فى الثقافة العامة، أي كيف ان التلفزيون قد اصبح عائقا أمام المعرفة

المثال الاول هو ذلك البرنامج (العلمي) الذي يقدمه منذ سنوات طويلة كاتب وصحفى معروف. فى هذا البرنامج يتم عرض حلقات تم وضع مادتها العلمية من قبل علماء ومتخصصين وتم تصويرها والتعليق عليها علميا من قبل افراد مؤهلين تم اختيارهم من قبل شركات الانتاج والمراكز العلمية المتعاونة معها. هذه البرامج المستوردة من الدول الاوروبية بالاضافة الى امريكا واليابان يتم عرضها بعد تفريغها من المادة العلمية الاصلية (الاحتفاظ بالصورة مع حذف التعليق العلمي)، بعد ذلك يقوم مقدم البرنامج بتقديم تعليقه الشخصي على الصور التى يقدمها البرنامج. هذا التعليق يرتكز اساسا الى مرجعية دينية وهو عبارة عن تفسير ديني شخصي بحت من تصور واسقاط الكاتب لا علاقة له بالبرنامج الأصلي

2 - المثال الثاني وهو معروف جدا بحكم انتشاره الواسع واستمراريته منذ سنوات طويلة ايضا هو برنامج يقدمه داعية ديني مشهور يتناول فيه تفسيره الديني لكل شئ فى الحياة وهو بطبيعة الحال برنامج يكرس التفكير الغيبي

والقدري ويلغى من عقول المشاهدين اية امكانية للتفكير النقدي التأملي العلمي والعقلاني هذان المثالان كافيان لاعطاء صورة عن الوضع الحالي لاهم واخطر مصدرين من مصادر الثقافة العامة فى مجتمع مثل المجتمع المصري، ولن اشير الى الموضات الجديدة التى انتشرت على القنوات الفضائية والمعروفة بالدعاة التلفزيونيين والفتاوي التلفزيونية التى تتنافس على تقديمها القنوات الرسمية والخاصة. بعد ذلك عندما تظهر موجات التخلف الفكري والتطرف والتعصب الديني وتنتشر فى المجتمع هل يمكن لنا ان نتعجب ؟ ان الاسباب تؤدى دائما الى النتائج، الاسباب هنا واضحة وايضا النتائج التى لايستطيع انكارها احد. بالطبع ان مانهدف اليه هنا يتوقف عند محاولة رصد بعض الظواهر والاشارة الى بعض الامثلة التى قد تساعد القارئ الذى لايزال يمتلك القدرة على التفكير النقدي والتأمل وطرح الأسئلة بل والقدرة على الدهشة، ان يحاول فهم ظواهر الواقع الذى يعيش فيه، اما معالجة وتحليل هذه الظواهر وتلك الامثلة فهى تحتاج الى دراسات متعددة تدخل فى مجالات تخصص مختلفة ربما يوجد من بين القراء من يستفز فيجرى الدم فى عروقه ويخلع عن نفسه ثوب اللامبالاة والكسل العقلي والاستسلام القدري لما وصلت اليه الاوضاع فى المجتمع المصري، مرة اخرى المقدمات تؤدي حتما الى نتائج وما نشهده الآن هو نتيجة لما كان يتم منذ عقود، من المسئول عما حدث؟ من الذي كان يتولى مسئولية وضع السياسات الثقافية والتعليمية والاعلامية خلال العقود الثلاثة الاخيرة؟ من الذي كان يقوم بتنفيذ هذه السياسات التى شكلت "الوعى العام والثقافة العامة" السائدة فى المجتمع المصري حاليا؟

كم سيكون المشهد مثيرا للدهشة والسخرية عند نهاية العرض عندما يصل المحقق الذي لايزال يتمتع ببعض الخيال الى اكتشاف ان القاتل هو الضحية ! وان الجريمة مستمرة ! ان الكل مشارك فيما حدث ولازال يحدث! ان ما هو آت أفدح ! وانه لم يعد هناك وقت للاستمرار فى هذا العبث لان القضية تحولت الى قضية ان نكون او لانكون!