KHAN ELKHALILI

jeudi, mars 02, 2006

عن التلفزيون والتلفزيونجية

التلفزيونجي
<صباح الخير يامصر>
اذا كان لديك ...سؤال... عن مسألة تؤرققك أو موضوع تريد ان تعرف شيئا عنه فماعليك إلا ان تذهب الى... وسط البلد ... حيث تجد المثقفوقراط فى ...حالة حوار... يجيبون على كل شئ . واذا لم تقتنع وحاولت ان تعرف... القصة وما فيها... فعليك ان تتحلى بسعة الصدر وحاول ان تجد ...وجهة نظر... اخرى وهي فى الحقيقة ليست مختلفة عن وجهة النظر اللاأخرى لكنها مفيدة بين الفينة والفينة لزوم المنافسة الشرسة التى لم تعد تعرف الهزار ولا الرحمة بين الفضائيات التى تتنافس على السيطرة على وعي وروح المشاهد. بالنسبة لهؤلاء الذين لايمتلكون القدرة على حل مشاكلهم المرضية والنفسية بل والدينية فإن الامر غاية فى البساطة والحل تجده فى اقل من ...ساعة زمن...من خلال وصفات وإجابات أخصائيين من الأطباء وعلماء النفس وفتاوي رجال الدين. بطبيعة الحال قد يوجد من يبحثون عن اكثر من ذلك كله ، ولان ...ليالينا ...ممتدة والقاهرة لاتنام قبل الفجر بسبب الأرق أو القلق أو السهاد فالحل بالنسبة لهؤلاء بسيط جدا:... إتكلم... ولا تحتفظ بشئ فى صدرك ولا داعي لان تلجأ الى أية افكار سوداوية فيما يتعلق بالحياة والمعيشة أو حتى السياسة لاداعي لذلك ...البيت بيتك... وكلنا سوا وكل شئ يتم عالهوا وبشفافية مطلقة بدءا من الحوادث والكوارث وإدارة الأزمات حتى دهاليز ومطابخ السياسة والاقتصاد والبورصة والخصخصة. لكن اذا ظهرت عليك اعراض غير طبيعية بعد ذلك كله، وشعرت او بمعنى اصح لم تشعر بتغير نوعي فى مستوى وعيك ومعلوماتك وثقافتك بشكل عام، بإختصار، اذا شعرت باعراض التخلف العقلي، فذلك يعني ان هذا التلفزيون قد سرق منك عضو التفكير والتدبير أى عقلك، اذهب على الفور وطالب بتعويض لان هذه الجريمة تندرج ضمن جرائم سرقة الاعضاء البشرية وهى منتشرة جدا هذه الايام مثل انفلونزا الطيور وعمليات الخصخصة وكوارث القطارات والعبارات والمسارح ونهب المال العام. فقط عليك بالاسراع لتستفيد من قانون الطوارئ قبل الغائه حيث ان حالتك يمكن ان تندرج تحت بند تهديد النظام والامن العام، اذا لم تسارع ربما يكون الوقت قد تاخر كثيرا لان قانون مكافحة الارهاب سيحل محل قانون الطوارئ والعقوبات ستزداد وتغلظ ليس ضد من قاموا بسرقة عقلك وتسببوا فى ظهور اعراض التخلف العقلي عليك، لكن العقوبة ستغلظ ضدك لأنك ستكون قد وصلت الى مرحلة يمكن ان تفعل فيها اي شئ لا يخضع لأي عقل لانك متخلف عقليا وذلك يعني فى التوصيف القانوني الذي يتم تفصيله حاليا بواسطة ترزية ومصممي قوانين ارقى بيوت الخبرة العالمية انك ستكون ارهابيا، فاسكت وخذها من قاصرها . بلاش <سؤال> وابعد عن <وسط البلد>وماتصدقش حكاية ان < البيت بيتك > ولا داعي للسهر كثيرا لأن <ليالينا> القادمة لن تكون آمنة والافضل بطبيعة الحال هو ان تتخلص من جهاز التلفزيون وتريح دماغك ربما يساعد ذلك على عودة خلايا الذكاء الى النمو وتستعيد عقلك وعافيتك وتفهم ايه اللي بيحصل دون ان تتغابى او تتواطأ. وتصبحي على خير يامصر
للإطلاع على مزيد من الأراء والتعليقات ولمزيد من الفهم اذهب الى : 1
***
حلقات الدرس فى الازهر فى القرن التاسع عشر
***
المسرح والكواليس

فى كتابه عن "التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول" يحلل بيير بورديو بنية وآليات عمل التلفزيون ويكشف الدور الذى يلعبه فى تشويه القضايا وتفريغها من مضمونها الحقيقي. يستخدم بورديو منهجا فى التحليل يمكن تطبيقه فى تحليل الدور الذي يلعبه أي تلفزيون والنموذج الذي قدمه فى كتابه كان يتعلق بالتلفزيون الفرنسي وقدم فيه امثلة لبرامج تقدمها القنوات التلفزيونية الفرنسية كاشفا من خلالها مدى صحة وملائمة الفرضيات النظرية التى قدمها. فى النص التالي سأحاول ان اعيد صياغة بعض المقاطع الاساسية من هذا الكتاب، وهى مقاطع تتعلق ببعض المفاهيم المحورية التى يمكن من خلالها فهم طبيعة الدور الذي يلعبه هذا الجهاز الخطير. سأحتفظ بالنص الذي كتبه بورديو مع ملاحظات (بين قوسين) لتقريب مدى ملائمة هذا التحليل على ما تقدمه احدى القنوات التلفزيونية العربية ولتكن القناة الفضائية المصرية مثلا (فى الخلفية التصورية للقارئ). تعديل آخر يتمثل فى انني سأقوم بدور من يقدم عرضا لنص بورديو لكن دون استحداث نص جديد ، أى ان كل ما ساقوم به هو فقط عرض وتقديم منهج بورديو فى التحليل من خلال نص بورديو ذاته واى تعديل او تعليق للفت نظر القارئ الى مدى مطابقة هذا التحليل للحالة الجديدة سيكون كما اسفلت بين قوسين.1
يحاول بورديو هنا أن يطرحَ بعض الأسئلة من خلال التلفزيون عن الدور الذي يلعبه التلفزيون. وهذه رغبة تبدو متناقضة إلى حد ما لأنه يعتقد بشكل عام أنه لا يمكن أن يقول شيئاً كثيراً من خلال التلفزيون، وبشكل خاص عندما يريد أن يقول شيئاً عن التلفزيون. أليس من الواجب عليَّ بورديو إذا كان صحيحاً أنه لا يمكن أن يقول شيئاً ذا أهمية عبر التلفزيون - أن يستخلص ومعه عدد من كبار المفكرين، والفنانين والكتّاب أن عليهم جميعاً الامتناع عن التعبير عن آرائهم من خلال التلفزيون؟ يبدو أن هذا البديل لم يتم قبوله بشكل قاطع وفقاً لطريقة كل شيء أو لا شيء. يعتقد بورديو أنه من المهم الاشتراك والتحدث عبر التلفزيون لكن »تحت شروط معينة «.ذلك ان بورديو كان يستفيد عند القائه لهذا المحاضرة بشروط تعتبر استثنائية تماماً وذلك بفضل 1:قسم الصوتيات والمرئيات بالكوليج دي فرانس
أولا : الوقت المخصص له غير محدود
ثانياً: الموضوع الذي يتناوله في خطابه غير مفروض عليه - لقد حدد الموضوع بشكل حر - ويمكنه أيضاً أن يغيره
ثالثاً: ليس هناك أحد، كما هو الحال في البرامج التلفزيونية العادية، لكي يذكّره بضرورة الالتزام بالتعليمات بحجة الضرورات الفنية أو بسبب المُشاهد الذي لن يفهم ما يقال، أو باسم مراعاة المعايير أو الضروريات الفنية للمشاهد الجيدة الخ. إن هذا الوضع هو وضع خاص جداً، ذلك أنه بمجرد استخدام لغة تتجاوز الموضة السائدة، فإنه يمتلك <<تحكماً في أدوات إنتاج>> غير معتادة. بإلحاحه على أن الظروف التي أتيحت له هي ظروف استثنائية تماماً يكون قد قال بالفعل شيئاً عن الظروف العادية التي يسْتَدْعَى للحديث في التلفزيون من خلالها. لكن، هل يمكن أن نقول لماذا نقبل الاشتراك على الرغم من كل شيء في برامج التلفزيون في ظل الظروف العادية؟ هذا سؤال غاية في الأهمية ومع ذلك فإن غالبية الباحثين والعلماء والكتاب، ذلك حتى لا نتحدث عن الصحفيين، ممن يقبلون المشاركة في البرامج التلفزيونية لا يطرحونه. يبدو لبورديو انه من الضروري ً أن يتساءل عن هذا الغياب للتساؤل. في الواقع يبدو لبورديو أنه بقبول الاشتراك في برنامج تلفزيوني من دون أن يشغل بالنا معرفة إذا كان من الممكن أن يقال بعض الشيء، فإن ذلك ،يعتبر بشكل واضح خيانة، بأنه ليس هنا ليقول شيئاً ما وإنما لأسباب أخرى تماماً، وبشكل خاص حتى يشاهَدَ وأن يكون موضع رؤية الآخرين. »أى أن يدْرَكَ من قبل الآخر«. بالنسبة لبعض فلاسفتنا (وبعض كتابنا)، أن< تكون> ذلك يعني أن تُدرَكَ من خلال شاشات التلفزيون، أي – تحديداً، أن تُدْرَكَ من قبل الصحفيين، أو كما يقال، أن تكون صورتك مقبولة من جانب الصحفيين (الأمر الذي يتطلب بطبيعة الحال مساومات وتنازلات) – كما أنه من الحقيقي أن امثال هؤلاء لا يستطيعون أن يعتمدوا على أعمالهم لكي يكونوا حاضرين باستمرار، ليس لدى هؤلاء من طرق أخرى إلا الظهور بشكل متكرر على شاشة التلفزيون كلما كان ذلك ممكناً، وبالتالي أن يكتبوا على فترات منتظمة وأيضاً مختزلة بقدر الإمكان، كتباً وظيفتها الأساسية، كما لاحظ ذلك جيل ديليز تأمين دعوتهم إلى البرامج التلفزيونية. لهذا السبب أصبحت شاشة التلفزيون اليوم نوعاً من مرآة نرجس، مكاناً لاستعراض حب الذات.1
هذا التمهيد ربما يبدو مطولاً بعض الشيء، لكن بورديو يرى أنه من المرغوب أن يطرح الفنانون والكتاب والعلماء السؤال بشكل ضمني - وإذا أمكن بشكل جماعي - حتى لا يترك كل فرد نفسه أمام اختيار إذا ما كان يجب عليه أن يقبل أو لا يقبل الدعوات التي تقدم إليه للاشتراك في البرامج التلفزيونية، أن يقبل وفقاً لشروط أم يقبل دون أية شروط الخ. لقد تمنى بورديو كثيراً (يمكن أن نحلم دائماً) أن يضع هؤلاء هذه المشكلة ضمن اهتماماتهم جماعياً، وأن يحاولوا إجراء مفاوضات مع الصحفيين، سواء كانوا متخصصين أم لا، بهدف تحقيق نوع من العقْد فيما بينهم. من الواضح أن ذلك لا يعني إدانة ولا محاربة الصحفيين الذين يعانون كثيراً من الحدود والقيود التي يضطرون إلى فرضها على برامجهم. على العكس تماماً، إن ذلك يعني أن يشارك الصحفيون في تأمل موجه نحو البحث الجماعي عن وسائل تجاوز تهديدات الخضوع للمنطق الآلي.1
الجانبُ الذي اتَّخذَ موقفَ الرفض التام والبسيط لأي مشاركة للتعبير عن الآراء من خلال التلفزيون يبدو بالنسبة لبورديو انه من غير الممكن الدفاع عنه. يعتقد بورديو أنه حتى في حالات معينة، يستطيع هذا الجانب أن يجد أن هناك نوعاً من الواجب عليه أن يؤديه عبر التلفزيون، بشرط أن يكون ذلك ممكناً في ظل شروط معقولة. من أجل محورة الاختيار، يجب الأخذ في الاعتبار خصوصية الأداة التلفزيونية. لقد أصبح التلفزيون جهازاً، هو من الناحية النظرية، يقدم إمكانية الوصول إلى كل الناس. من هنا نواجه على الفور بعض الأسئلة: هل ما عندي لكي أقوله موجه لكل الناس؟ هل أنا مستعد أن أجعل من شكل خطابي نوعاً من الخطاب الذي يمكن أن يكون مسموعاً من كل الناس؟ هل يستحق هذا الخطاب أن يُسْمَع من كل الناس؟ يمكن حقاً أن نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ونتساءل: هل يجب أن يُسمع هذا الخطاب من جميع الناس؟ هناك مهمة للباحثين وللعلماء على وجه الخصوص - من المحتمل أنها ملحة بشكل خاص فيما يتعلق بعلوم المجتمع - وهي أن تُرد إلى الجميع المنجزات التي حققها العمل البحثي. كما يقول هوسرل: <<إننا موظفون لدى الإنسانية>> نتحصل على معاشاتنا من الدولة لكي نكتشف أشياء، سواء تتعلق بالعالم الطبيعي، أو تتعلق بالعالم الاجتماعي ويجب أن ننطلق كما يبدو لبورديو بدءاً من الضروريات المفروضة علينا، لكي نرد ذلك الذي حصلنا عليه. لقد كان بورديو مضطراً دائماً أن يحدد قبوله أو رفضه للمشاركة في التلفزيون تبعاً لهذا التفحص الدقيق لهذه التساؤلات. كان يآمل فى أن يقوم كل هؤلاء الذين توجه اليهم الدعوات للظهور فى التلفزيون بطرح مثل هذه الأسئلة، أو أنهم ربما سيضطرون إلى طرحها تدريجياً لأن مشاهدي التلفزيون ونقاد التلفزيون يطرحونها بل ويطرحونها في علاقتها بظهورهم على شاشة التلفزيون: هل هناك شيء يقال؟ هل هو في
وضع يسمح له أن يقول ذلك؟ هل يستحق مايقوله أن يقال في هذا المكان؟ باختصار ما الذي يفعله هناك؟

رقابة خفية

لكن بورديو يعود إلى ما هو أساسي؛ لقد ذكر في البداية أن الاشتراك في برامج التلفزيون توجد أمامه رقابة هائلة، فقدان للاستقلالية يرتبط مع أشياء أخرى بحقيقة أن الموضوع المعروض قد تم فرضه، إن شروط الاتصال والحوار قد تم فرضها كما أن تحديد الزمن المفروض على خطاب المشاركين يفرض بشكل خاص حدوداً صارمة بحيث يصبح من غير المحتمل وجود إمكانية لكي يقال شيء ما. هذه الرقابة تمارس على المدعوين، ولكن أيضاً على الصحفيين من مقدمي البرامج الذين يمارسون هذه الرقابة لأنهم يتوقعون أن ماسيقوله المدعو هو كلام في السياسة. من الصحيح أن هناك تدخلات سياسية/ تحكّم سياسي (والتي تمارس بوضوح من خلال تعيين المسؤولين في المواقع القيادية)؛ من الحقيقي أيضاً وخصوصا ً في فترة مثل الفترة التي نعيشها حالياً، أنه يوجد جيش احتياطي وقدر كبير من عدم الاستقرار في وظائف العاملين بالتلفزيون والراديو، لذا فإن الميل نحو الخضوع للأعراف السياسية السائدة هو إلى حدٍ ما ميل كبير جداً. الأفراد يخضعون للأعراف بشكل واعٍ أو بشكلٍ غيرِ واعٍ عبر الرقابة الذاتية، وذلك من دون الحاجة إلى تنبيههم إلى ضرورة مراعاة النظام.1
من الممكن أن نفكر أيضاً في الرقابة الاقتصادية. في التحليل النهائي، من الحقيقي كذلك القول بأن الذي يمارس الضغط على التلفزيون هو المحدد الاقتصادي. هذا يعني أنه لا يمكن السعي لقول شيء عبر التلفزيون غير ذلك الذي تحدد مقدماً من قبل أولئك الذين يمتلكون هذه المحددات، أي من قبل المعلنين الذين يدفعون ثمن إعلاناتهم، من قبل الدولة التي تمنح الدعم، كذلك عندما يتعلق الأمر بإحدى القنوات التلفزيونية، إذا لم نعرف اسم المالك، ونَصِيبَ كلّ من المعلنين في الميزانية وقيمة الدعم الذي تقدمه الدولة، لا يمكن فهم شيء كثير. يبقى بعد ذلك ما هو جدير بأن نُذَكِّرَ به بهذا الخصوص. من المهم مثلاً معرفة أن شبكة ان.بي.سي مملوكة لشركة جنرال اليكتريك (هذا يعني إنه إذا كان ثمة مغامرة لعمل تحقيق أو مقابلات في المنطقة النهرية المحيطة بمحطة توليد كهرباء نووية فإنه من المحتمل... ومع ذلك فإن مثلَ هذا الأمر لا يرد على ذهن أحد)، كذلك من المهم معرفة أن شبكة سي .بي. اس مملوكة ل مملوكة لشركة وستنجهاوس وان شبكة ايه. سي. بي مملوكة لشركة ديزني، وأن القناة الأولى الفرنسية مملوكة لشركة بويج، إن كل ذلك له نتائج تمر عبر سلسلة من الوسائط. من الواضح أن هناك أشياء لا تستطيع حكومة ما أن تقوم بها ضد بويج ذلك إذا علمنا أن بويج هو الذي انشأ القناة الأولى. هنا تكمن الأشياء الكبيرة والفظة التى يدركها النقد الاكثر بساطة، لكنها أشياء تخفي الآليات المجهولة، الآليات الخفية التى من خلالها تمارس الرقابة على كل المستويات والتى تجعل من التلفزيون أداة عائلى للحفاظ على النظام الرمزي. 1
يتوقف بورديو للحظة عند هذه النقطة. إن التحليل السوسيولوجي يواجه غالباً شيئاً من سوء الفهم: هؤلاء الذين انخرطوا في موضوع التحليل، وهنا في هذه الحالة الخاصة فإن المعنيين هم الصحفيون، لديهم ميل للاعتقاد بأن العمل التوضيحي والشرح، وكشف الحجاب عن الآليات، هو عمل تشهيري موجه ضد أشخاص أو كما يقال هو <<هجوم>> أو نوع من التشهيرات الشخصية، (ذلك يعني أنه إذا كتب أو قال عالم الاجتماع عُشْر ما ينتظر منه عندما يتحدث مع صحفييين عن <<الأعمال المنزلية>> مثلاً، أو عن صناعة - نعم صناعة - البرامج، فإنه سوف يستبعد من جانب الصحفيين أنفسهم بسبب الموقف الذي اتخذه وبسبب افتقاده للموضوعية). إن الأفراد بصفة عامة لا يحبون مطلقاً أن يوضعوا موضع تساؤل، أو أن يكونوا هدفاً، والصحفيون بشكل خاص دون جميع الآخرين. إنهم يشعرون بأنهم مستهدفون وفي حالة اشتباك، بينما كلما تقدمنا في تحليل وسط ما، كلما وصلنا إلى تخليص أفراد هذا الوسط من مسؤولياتهم الفردية، - ذلك لا يعني تبرير كل مايجري – كذلك فإننا نفهم بشكل أفضل كيف يعملون، كما نفهم كذلك أن الأفراد الذين يشتركون في ذلك يخضعون للتلاعب والتأثير بقدر ما يمارسون هم أنفسهم عملية التلاعب والتأثير. إنهم يمارسون التلاعب والتأثير على الآخرين في كثير من الأحيان بشكل أفضل، وغالباً بطريقة جيدة، حتى بأفضل مما يخضعون له هم أنفسهم من تأثير وتلاعب بدرجة أكبر وبشكل لا واعٍ. يلح بورديو على هذه النقطة مدركاً في الوقت نفسه أنه على الرغم من كل شيء، فإن كل هذا الذي يقوله سيُقابَلُ باعتباره نقداً؛ ورد الفعل هذا هو أيضاً نوع من الدفاع والمقاومة ضد التحليل. إن بورديو لا يعتقد أن الإعلان عن الفضائح، وعن الأحداث وعن إساءات هذا المذيع أو ذاك، أو المرتبات الخيالية المفرطة والمبالغ فيها لبعض المنتجين، يمكن أن تؤدي إلى تحويل الأنظار عما هو أساسي باعتبار أن فساد الأفراد هو قناع لهذا النوع من <<الفساد البنيوي>> (لكن هل يجب الحديث مرة أخرى عن الفساد؟) الذي يمارس على مجمل اللعبة من خلال آليات مثل التنافس على كسب جزء من السوق، وهو ما يسعى بورديو الى محاولة تحليله. 1
يريد بورديو إذن تفكيك سلسلة من الآليات التي تثبت أن التلفزيون يمارس نوعاً من <<العنف الرمزي>> المفسد والمؤذي بشكل خاص. العنف الرمزي هو عنف يمارس بتواطؤ ضمني من قبل هؤلاء الذين يخضعون له وأولئك الذين يمارسونه بالقدر الذي يكون فيه أولئك كما هؤلاء غير واعين بممارسةَ هذا العنف أو الخضوعَ له. إن علم الاجتماع مثل كل العلوم وظيفته أن يكشف القناع عن الأشياء الخفية، هذا العمل يمكن أن يسهمَ في تقليل العنف الرمزي الذي يمارس في العلاقات الاجتماعية وبخاصّةٍ في علاقات أدوات الاتصال الإعلامية.1
لنأخذ الأمثلة الأكثر سهولة: الأحداث المتفرقة التي كانت دائماً المرعى المفضل لصحافة الإثارة؛ الدم والجنس، الدراما والجريمة كانت دائماً تُسوّق جيداً وتتربع على عرش جذب المشاهدين وتتصدر الفقرات الأولى من افتتاحيات نشرات الأخبار التلفزيونية، هذه العناصر تم استبعادها أو إبعادها حتى الآن من جانب معايير الاحترام المفروض على نماذج الصحافة المكتوبة التي تتمتع بالجدية. لكن الأحداث المتفرقة هي أيضاً الأحداث التي تتسبب في تحويل الأنظار وتلهي المشاهدين. إن الحواة والسحرة لديهم مبدأ أول يتمثل في جذب الانتباه نحو شيء آخر غير ذلك الذي يقومون به. إن جزءاً من العمل الرمزي للتلفزيون على مستوى المعلومات مثلاً يتمثل في جذب الانتباه نحو أحداث تتميز بأنها تهم كل الناس ومنها ما يمكن أن نقول عنها إنها بمثابة أوتوبيس أو حافلة عامة – يستقلها كل الناس. أحداث الحافلات العامة هذه هي كما يقال أحداث لا يجب أن تصدم أحداً، إنها بلا مجازفة، لا تسبب الانقسام وتؤدي إلى التراضي والتفاهم وتهم كل الناس لكن بشرط أن تأخذ شكلاً لا يمس أي شيء ذو أهمية. الأحداث المتفرقة هي بمنزلة هذا النوع من السلع الغذائية الأولية بالنسبة للمعلومات الهامة جداً لأنها تهم الجميع دون أن تؤدي إلى نتيجة ما وهي تستهلك وقتاً، وقتاً يمكن استخدامه لقول شيءٍ آخر. إذا كان الحال كذلك فإن الزمن سلعة نادرة للغاية في التلفزيون. إذا ماتم استخدام الزمن حتى الدقائق الثمينة جداً لكي تقال أشياء تافهة فارغة جداً، فإن ذلك يعود إلى أن هذه الأشياء التافهة جداً هي في الواقع هامة جداً بالقدر الذي تخفي فيه أشياء ثمينة بالفعل. إذا كان بورديو يلح على هذه النقطة فإن هذا يرجع من ناحية أخرى إلى أننا نعرف أنّ هناك نسبة هامة من الأفراد الذين لا يقرؤون أية صحيفة يومية، أولئك الذين وهبوا أنفسهم جسداً وروحاً للتلفزيون كمصدر وحيد للمعلومات. يتمتع التلفزيون بامتلاك نوع من الاحتكار للحدث بدلاً من تكوين العقول وذلك فيما يتعلق بجزء كبير من السكان. والحال أنه بالتركيز على الأحداث المتفرقة يتم إحلال الوقت النادر بزمن فارغ، بلا شيء أو تقريباً لا شيء، بتجنب المعلومات الملائمة التي يجب أن يمتلكها المواطن كي يمارس حقوقه الديموقراطية. بهذا الانحراف يتم التمحور حول انقسام في مادة المعلومات بين هؤلاء الذين يستطيعون قراءة الصحف اليومية الجادة، إذا كان صحيحاً أنها لا تزال جادة بالنظر إلى المنافسة مع التلفزيون، هؤلاء الذين يطلعون على الصحافة العالمية ويستمعون إلى محطات الراديو باللغات الاجنبية من ناحية، ومن ناحية أخرى أولئك الذين فيما يتعلق بالمعارف السياسية فإن هذه المعارف تصلهم من خلال التلفزيون، وهو ما يعني بشكل تقريبي لا شيء (بعيداً عن المعلومات التي تتعلق بالمعرفة المباشرة عن الرجال والنساء بالنظر إلى أشكال وجوههم، وتعبيراتهم، وكثير من الأشياء التي يَعْرِفُ فكَّ رموزِها مَنْ هم ثقافياً أقل حظاً من غيرهم.1
فن حجب المعلومات
أو لعبة المنع بواسطة العرض
يشدد بورديو هنا على ما هو مرئي أكثر. انه يريد أن يذهب إلى معالجة أشياء تبدو أقل وضوحاً بدرجة ما عندما يتم عرضها بالشكل الذي يقدمه بها التلفزيون. عندما يعرض التلفزيون، وهنا وجه التناقض، أشياء يتم إخفاؤها عن طريق عرضها، بوساطة عرض شيء آخر غير ذلك الذي يجب عرضه، إذا ما تم عمل المفروض عمله، أي إعلام المشاهد؛ أو كذلك عندما يظهر التلفزيون ذلك الذي يجب عرضه لكن بطريقة لا تسمح بعرضه أو بأن يصبح غير ذي مغزى، أو عندما يقوم بإعادة تشكيله بحيث يأخذ معنى لا يقابل الحقيقة على الإطلاق.
يبين بورديو كيف أن الصحفيين مأخوذون في آن واحد بميولهم ومسؤلياتهم الوظيفية، برؤيتهم للعالم، بتكوينهم، وبمراتبهم المهنية ولكن أيضاً بالخضوع لمنطق المهنة، يختارون من هذا الواقع الخاص أي الحياة في مناطق ضواحي المدن، اعتباراً خاصاً تماماً يعمل وفقاً لنوعية الفئات (الشرائح) التي تتلقى ذلك وتتميز بامتلاكها لرؤية خاصة تماماً. الاستعارة الأكثر شيوعاً في الاستخدام من قبل الأساتذة لشرح هذا التعريف للفئة (او الشريحة)، أي – هذه التركيبات غير المرئية التي تنظم عملية التلقي، تحدد هنا هذا الذي نراه وذلك الذي لا نراه، هذه العملية شبيهة بتلك الخاصة بالمنظار (النظارات). هذا التقسيم للشرائح هو نتاج نظام تعليمنا، هو نتاج التاريخ الخ. إن الصحفيين يشبهون »نظارات« خاصة بوساطتها يرون أشياء معينة ولايرون الأشياء الأخرى؛ كما أنهم يرون هذه الأشياء بطريقة معينة. إنهم يمارسون عملية اختيار ثم عملية إعادة تركيب لذلك الذي تم اختياره. الفكرة التي يتم على أساسها الاختيار هي البحث عما هو مثير، عن ذلك الذي يجذب ويدفع للمشاهدة. يسعى التلفزيون إلى دفع الأمور نحواإضفاء طابع <<الدراما>> وذلك بمعنى مزدوج: إنه يضع في المشهد، في الصورة، واقعة أو حدثاً ثم يقوم بالمبالغة في أهميتها، في خطورتها وفي صفاتها الدرامية والتراجيدية، بالنسبة لظاهرة الضواحي فإن ماسيشد الاهتمام ويثير حفيظة المشاهد هو الانتفاضات وأحداث العنف. هذه بالفعل كلمات كبيرة... (يتم الشيء نفسه بالنسبة للكلمات المكتوبة. باستخدام الكلمات المعتادة لا نثير دهشة البرجوازي ولا اهتمام الشعب. يجب استخدام كلمات خارقة للعادة. في الواقع، وهنا وجه التناقض، فإن عالم الصورة تهيمن عليه الكلمات. الصورة لا تعني شيئاً دون التفسير (المفتاح) الذي يقول ذلك الذي يجب أن تتم قراءته - مفتاح التفسير - ذلك يعني أنه في أغلب الأحيان، هناك مفسرون يقومون برؤية أي شيء. إن تعيين شخص ما في موقع معين، هذا يعني، ونحن نعلم ذلك جيداً، أن هذا الشخص يعرف كيف يشاهد، وعليه أن يبدع في منصبه هذا وأن يدفع إلى جذب الحضور. يمكن للكلمات أن تسبب الدمار والخراب: إسلام، إسلامي، إسلاموي، مسلم - هل الحجاب هو حجاب إسلامي أم حجاب مسلم؟ هل تأثيره يكمن ببساطة في مجرد شكله أم أنه أكثر من ذلك؟ تتملك بورديو أحياناً رغبة في إعادة أخذ <<كل كلمة>> من كلمات مقدمي البرامج التلفزيونية الذين يتحدثون غالباً بخفة ودون أن يكون لديهم أية فكرة عن صعوبة وخطورة ذلك الذي يقدمونه ولا عن المسؤوليات التي يتحملونها نتيجة لما يقدمونه للآلاف من مشاهدي التلفزيون بدون فهم لما يقدمونه وبدون أن يدركوا أنهم لا يفهمونه. ذلك أن مثل هذه الكلمات تخلق أشياء، تخلق التصورات والتخيلات الخادعة، تحدث الخوف، تؤدي إلى الهلع والرهبة أو ببساطة إلى تقديم عروض زائفة. يهتم الصحفيون إجمالاً بما هو استثنائي، بذلك الذي يعتبر <<استثنائياً من وجهة نظرهم>>. إن هذا الذي يمكن أن يعتبر عادياً بالنسبة للآخرين يمكن أن يكون خارقاً للعادة بالنسبة إلى هؤلاء الصحفيين أو العكس. إنهم يهتمون بما هو خارق للعادة، بذلك الذي لا صلة له بما هو عادي، بذلك الذي لا يعتبر شيئاً يومياً – ما هو يومي يجب أن يؤدي يومياً إلى ما هو <<فوق-اليومي>>، هذا ليس سهلاً… من هنا تلك المكانة التي تخصص وتعطي للعادي الخارق للعادة، أي المنتظر من قبل التوقعات العادية، حرائق، فياضانات، اغتيالات، أحداث متفرقة. لكن الخارق للعادة هو أيضاً وعلى وجه الخصوص ذلك الذي ليس عادياً بالنسبة لنشرات الأخبار الأخرى. إنه ذلك الذي يعتبر مختلفاً عما هو عادي والذي يختلف عما تقول عنه نشرات الأخبار الأخرى أنه عادي، أو تقوله بشكل عادي. هذا الوضع بمثابة إجبار وإرغام فظيع: ذلك الذي يفرض متابعة <<السبق المثير>>حتى يكون أول من يشاهد وأول من يدعو إلى مشاهدة أشياء معينة، ثمة استعداد بدرجة كبيرة إلى فعل أي شيء، كما لو أنه يتم النسخ والنقل بشكل مشترك بالنظر إلى سبق الآخرين، أن تفعل ذلك قبل الآخرين، أن تفعله بشكل مختلف عن الآخرين، ثم ينتهي الأمر بأن يفعل الجميع الشيء نفسه، البحث عن السبق المثير، ذلك السبق الذي يؤدي في مجالات أخرى إلى التفرد وإلى إنتاج أعمال اصيلة ينتهي به الأمر هنا إلى القولبة والابتذال.1
هذا البحث العنيد الذي يهتم بما هو خارق للعادة وغير مألوف يمكن أن يتضمن الكثير من التأثيرات السياسية بالإضافة إلى الإرشادات والتعليمات السياسية المباشرة أو الرقابة الذاتية المستوحاة من الإطارات المحددة لعملية الاستبعاد. بامتلاك هذه القوة الاستثنائية، أي قوة الصورة التلفزيونية، يمكن للصحفيين أن ينتجوا تأثيرات دون معادل أو مقابل. إن الملاحظة اليومية لضاحية ما في رتابتها وخمولها لا تعبّر عن شيء بالنسبة لأحد، لا تهم أي أحد وخصوصاً الصحفيين أكثر من أي فرد آخر. لكن هل يهتمون حقيقة بما يحدث في الضواحي وهل يرغبون في عرضه فعلاً؟ إن ذلك على كل حال هو الذي سيكون صعباً للغاية. ليس هناك شيئاً أكثر صعوبة من أن تجعل المشاهدين يشعرون بالواقع في أوضاعه المتغيرة. كان فلوبير يحب أن يقول: <<يجب رسم ما هو رديء، بشكل جيد>>. هذه هي المشكلة التي تواجه علماء الاجتماع: أن تجعل مما هو عادي شيئاً فوق-عادي؛ تقديم ما هو عادي بطريقة تجعل الأفراد يرون إلى أي درجة هو أكثر من عادي.1
تأتي المخاطر السياسية الملازمة للاستخدام العادي للتلفزيون من حقيقة أن للصورة تلك الخاصية التي يمكنها أن تنتج ما يسميه نقاد الأدب <<تأثير الواقع>>، الصورة يمكنها أن تؤدي إلى رؤية أشياء وإلى الاعتقاد فيما تراه. هذه القدرة على الاستدعاء لها تأثيرات ونتائج تعبوية. يمكنها أن تخلق أفكاراً أو تعبيرات، لكن يمكنها أيضاً أن تخلق مجموعات. الأحداث المتفرقة، الحرائق أو الحوادث اليومية؛ يمكن أن تعبأ وتشحن بتورطات ومضامين سياسية وأخلاقية قادرة على إثارة مشاعر قوية غالباً سلبية مثل المشاعر العنصرية ومشاعر الزينوفوبيا (العداء للأجانب)، مركب من الخوف والعداء للآخر، مما هو أجنبي، والنتيجة النهائية البسيطة هي أن واقع التقرير أو التسجيل التقريري للواقع to record, en reporter يستلزم دائماً بناءً اجتماعياً للواقع قادراً على ممارسة تأثيرات اجتماعية تعبوية او إجهاضية / وإحباطية)1)
مثال آخر يستعيره بورديو من باتريك شامبان ، ذلك الخاص بإضراب طلاب المدارس الثانوية الشهير الذي حدث في فرنسا عام 1986، حيث نرى كيف يمكن للصحفيين بكل النية الحسنة والسذاجة التامة مدفوعين بمصالحهم الشخصية التي لا يهمهم غيرها في المحل الأول - بافتراضاتهم المسبقة وبمستويات إدراكهم وتقديرهم للأمور، وبلاوعيهم الكامن – يمكن أن ينتجوا تأثيرات عن الواقع وتأثيرات في الواقع، تأثيرات غير مرغوبة من أحد ويمكنها أن تصبح في بعض الأحيان تأثيرات كارثية. لقد كان الصحفيون في مقدمة حركات مايو 1968، وهنا كان خوفهم من أن لا يلتحقوا بـ »68 جديد«. لقد جعلوا من مراهقين غير مُسَيَّسِين كثيراً ومن أولئك الذين لا يعرفون كثيراً ماذا يقولون، جعلوا منهم متحدثين باسم الحركة (والذين تحدثوا كانوا بدون شك الأكثر تَسْييساً من بين هؤلاء) تؤخذ أحاديثهم بجدية كما أن هؤلاء المتحدثين باسم الحركة يأخذون ذلك بجدية أيضاً، ومثل الخيط في الإبرة، فإن التلفزيون الذي يسعى لأن يكون أداة لتسجيل الأحداث يصبح أداة لخلق الواقع. إننا نذهب أكثر فأكثر نحو عوالم حيث الحياة الاجتماعية توصف وتفسر بواسطة التلفزيون. يصبح التلفزيون هو الحَكَم للانخراط والدخول في الحياة وفي الوجود الاجتماعي والسياسي. افترضوا أنني أرغب اليوم في الحصول على حق المعاش في سن الخمسين عاماً مثلاً، منذ عدة سنوات كان علي أن أقوم بالتظاهر، تُعدّ اللافتات وتسير المظاهرة وتصل إلى وزارة التعليم الوطني؛ أما اليوم، يجب استدعاء – يبالغ بورديو هنا بالكاد – مستشار متخصص ومؤهل في الإعلام. يتم عمل بعض الخدع الحاذقة التي تشد اهتمام وسائل الإعلام وتصدمها: مع بعض التنكر والأقنعة الماكرة يتم الحصول بواسطة التلفزيون على تأثير ليس بعيداً عن ذلك الذي يمكن أن تحصل عليه مظاهرة تتكون من خمسين ألف فرد.1
احد الرهانات السياسية على مستوى التبادل اليومي أو على المستوى العام هي القدرة على فرض مبادئ لرؤية العالم، نظارات مثل تلك التي يرى الأفراد من خلالها العالم وفقاً لبعض التصنيفات (الشباب والعواجيز، الفرنسيين والأجانب). بفرض هذه التقسيمات يتم خلق مجموعات، تعبأ وتعمل ويمكن أن تصل إلى حد الاقتناع بوجودها، تمارس ضغطاً وتحصل على امتيازات، في ظل هذه النضالات يلعب التلفزيون اليوم دوراً حاسماً. هؤلاء الذين لا يزالون يعتقدون بأنه يكفي القيام بالتظاهر بدون احتلال شاشة التلفزيون يخاطرون بأن يفقدوا ضربتهم المستهدفة: يجب عمل تظاهرات للتلفزيون أكثر فأكثر، أي تظاهرات ذات طبيعة تهم الأفراد العاملين في التلفزيون وبشكل خاص أولئك الذين يماثلون الشريحة المقابلة لإدراكهم، هؤلاء الذين بتناوبهم، وتضخيمهم لقضيتهم، يحققون جدارتهم بكفاءة كاملة.1
الانسياب الدائري للمعلومات
إن الحديث حتى الآن يبدو كما لو أن المعني بكل هذه العمليات هو الصحفي. لكن الصحفي في نهاية الأمر هو عبارة عن وحدة مجردة لا وجود لها؛ الذي يوجد هو أولئك الصحفيون المختلفون تبعاً للجنس، والعمر، ومستوى التعليم، وطبيعة النشرة الإخبارية التي يقدمونها وطبيعة <<الوسيط>>. إن عالم الصحفيين عالم يتسم بالانقسام ففي داخله كل أنواع الخلافات والأزمات، المنافسات والمعارضات. هذا يعني أن تحليل بورديو يظل صحيحاً لأنه يعتقد أن الإنتاج الصحفي على عكس ما نعتقد هو إنتاج غير متجانس إلى حد كبير. إن الاختلافات والفروقات الأكثر وضوحاً والتي ترجع بشكل خاص إلى اللون السياسي للصحف (وهي من جانبٍ آخر، ويجب أن نذكر ذلك، تتلون أكثر فأكثر..)، تخفي تماثلات وتشابهات عميقة تعود بشكل خاص إلى الحدود المفروضة من قبل مصادر المعلومات وكذلك بسبب سلسلة كاملة من الآليات التي منها، وهذا هو الأكثر أهمية، منطق المنافسة. باسم المبدأ الليبرالي يردد دائماً أن الإحتكار يُقولِب وأن المنافسة تؤدي إلى التنوع. بكل وضوح ليس لدى بورديو شيئا ضد المنافسة لكنه يلاحظ فقط إنه بمجرد أنْ تتمَّ المنافسة بين الصحفيين وبين الصحف التي تخضع للمحددات ذاتها ولاستطلاعات الرأي ذاتها، وللمعلنين أنفسهم (يكفي أن نرى السهولة التي يتنقل بها الصحفي من صحيفة إلى أخرى)، فإن ذلك يؤدي بها إلى أن تصبح متجانسة ومتشابهة. قارن أغلفة المجلات الأسبوعية الفرنسية مع فاصل أسبوعين من الزمن: إنها تحمل تقريباً العناوين ذاتها. كذلك، نرى الشيء نفسه في نشرات الأخبار التلفزيونية ونشرات محطات الراديو ذات البث الواسع الانتشار، وسواء كانت الظروف حسنة أم سيئة فإننا نلاحظ أن ترتيب الأخبار هو الذي يتغير فقط.1
إن ذلك يرجع في جانب كبير منه إلى حقيقة أن الإنتاج في هذا المجال إنتاج جماعي. في السينما على سبيل المثال، الأفلام هي من إنتاج جماعي وتأحذ مقدمة الفيلم ذلك في الاعتبار بعرضها لأسماء الفريق المشارك. لكن الجماعية التي تعتبر الرسائل التلفزيونية نتاجاً لها، لا تتعلق بالمجموعة المكونة من جميع أعضاء هيئة التحرير فقط؛ إنها تضم مجموع الصحفيين. غالباً ما يُطرح السؤال التالي <<ماهو موضوع خطاب ما؟>>. لسنا متأكدين على الإطلاق بأننا موضوع ذلك الذي يقال… إننا نقول كثيراً أشياء أقل أصالة مما نعتقد. لكن هذا صحيح بشكل خاص في المجالات التي تكون فيها الحدود المفروضة جماعياً قوية جداً وخصوصاً حدود المنافسة لدرجة أنها تجبر كل منتج على عمل أشياء لن يفعلها إذا كان الآخرون غير موجودين؛ أشياء يمارسها لكي يحقق سبقاً ليصل قبل الآخرين مثلاً. لا أحد يقرأ كثيراً من الصحف مثل الصحفيين الذين يتحلون من ناحية أخرى بنزعة للتفكير تجعلهم يعتقدون أن كل الناس تقرأ كل الصحف (بداية هم ينسون أن كثيراً من الأفراد لا يقرؤون، ثم إن أولئك الذين يقرؤون لا يقرؤون إلا صحيفة واحدة. ليس من المعتاد أن تقرأ صحيفة اللوموند وصحيفة ليبراسيون وصحيفة الفيجارو إلا إذا كنت محترفاً). بالنسبة للصحفيين فإن قراءة الصحف هي عمل لا غنى عنه، وتعتبر نشرة الصحافة بمنزلة أداة عمل أساسية: لمعرفة ذلك الذي سنقوله يجب معرفة ذلك الذي قاله الآخرون. هذه المسألة تُعدُّ واحدة من الآليات التي من خلالها يتم تجانس وتشابه الموضوعات المقترحة للنشر. إذا خصصت صحيفة ليبراسيون افتتاحيتها لحدث ما، فإن صحيفة لوموند لا يمكن أن تظل لا مبالية، مع احتمال أن تتميز في ذلك بعض الشيء (بشكل خاص إذا لا لشيء إلا لكي تسجل أن هناك فرقاً بينها وبين الآخرين وتحافظ على سمعتها الجادة. لكن مثل هذه الفروقات الصغيرة التي يعطي لها الصحفيون بشكل ذاتي قدراً كبيراً من الأهمية، هي التي تخفي التشابه الكبير فيما بينها. يكرس وقت كبير من نقاشات هيئة تحرير الصحف للحديث عن الصحف الأخرى، وخصوصاً عن <<ذلك الذي فعلوه وذاك الذي لم يقوموا به>> (»لقد تم اغفال كذا!«) وسنقوم نحن بإبرازه – يتم ذلك من دون مناقشة - بما أنهم قد أغفلوه. ربما يكون ذلك أكثر وضوحاً إذا نظرنا إلى مجال النقد الأدبي أو النقد الفني والسينمائي. إذا تحدث <<س>> من الصحفيين عن كتاب في صحيفة ليبراسيون، وجب على <<ص>>أن يكتب عنه في صحيفة اللوموند أو في مجلة لو نوفيل أوبسيرفاتير، ذلك حتى وإن كان يرى أنه كتاب تافه أو بلا أهمية، والعكس أيضاً صحيح. إن هذا هو الذي يخلق النجاح الإعلامي، وأحياناً يكون له علاقة بالنجاح في التوزيع (ولكن ليس دائماً). هذا النوع من لعبة المرايا العاكسة التي تمارس من كل جانب يحدث تأثيراً هائلاً من الانعزال والانغلاق العقلي. مثال آخر على تأثير هذه القراءة المتبادلة، نجد تأكيداً له في جميع المقابلات: لكي يتم إعداد نشرة أخبار منتصف النهار، يجب على الصحفي أن يكون قد شاهد عناوين نشرات أخبار الثامنة مساء اليوم السابق وكذلك عناوين صحف الصباح، ولكي يعد عناوين نشرة المساء يجب أن يقرأ صحف الصباح. إن هذا يصبح جزءاً من الضرورات الضمنية للمهنة. مثل هذا العمل هو عمل ضروري حتى تكون متميزاً عن غيرك وتكون مشاركاً في اللعبة في الوقت نفسه. في أغلب الأحيان تكون الاختلافات الضئيلة التي يولي لها الصحفيون أهمية بالغة هي التي تمر من دون أن يفطن إليها مشاهدو التلفزيون. (فيما يلي تأثير لمجال نموذجي بشكل خاص: يتم عمل أشياء يعتقد أنه يتم عملها بشكل أفضل من المنافسين لا لشيء إلا للاعتقاد بأن ذلك يلائم رغبات الزبائن بشكل أفضل مما يقوم به هؤلاء فروقات أو اختلافات غير محسوسة على الإطلاق بالنسبة للمشاهد العادي الذي لا يمكن أن يدرك ذلك إلا إذا شاهد عدة قنوات تلفزيونية في آن واحد، الاختلافات التي تمر بالتالي من دون ملاحظة على الإطلاق، هي اختلافات ذات أهمية كبيرة من وجهة نظر المنتجين الذين يتحلون بفكرة أن مجرد إدراكها يساهم في تحقيق النجاح وزيادة عدد المشاهدين (نسبة الإقبال أو الأوديمات)، ذلك الإله الخفي لهذا العالم الذي يهيمن على الوعي، كما أن خسارة نقطة في سباق جذب المشاهدين، يعني في بعض الحالات نهاية مفجعة للبرنامج. هذه ليست إلا إحدى المعادلات، الزائفة من وجهة نظر بورديو فيما يتعلق بالعلاقة بين مضمون والبرامج التلفزيونية ومحتوياتها وتأثيراتها المفترضة.1.
الاختيارات التي تتم في برامج التلفزيون هي بشكل ما اختيارات بلاموضوع. لشرح هذا الافتراض الذي ربما يكون مبالغاً فيه بعض الشيء، يعتمد بورديو فقط على التأثيرات التي تنتج عن آلية الانتشار الدائري التي أشار إليها بشكل سريع: حقيقةً إن الصحفيين يتحلون بصفات مشتركة كثيرة، سواء في المواقع التي يحتلونها، أم في ظروف عملهم، ولكن أيضاً في تكوينهم الأساسي، ذلك أن كلاً منهم يقرأ للآخر، كما يشاهد كل منهم الآخر، ويلتقي كل منهم بالآخر باستمرار في الندوات التي نرى فيها دائماً الأفراد أنفسهم، كل هذا يؤدي إلى تأثير الانغلاق ويجب عدم التردد في القول أنه يؤدي إلى <<رقابة>>فعالة ومؤثرة - بل أكثر فعالية من الرقابات المركزية البيروقراطية - لأن أساسها غير مرئي – كما أنها أكثر فعالية من التدخل السياسي المباشر والصريح. (لقياس درجة انغلاق هذه الحلقة المفرغة من المعلومات يكفي محاولة اختراقها – لكي تُمرّر من خلالها نحو الجمهور الواسع - معلومات غير مبرمجة حول الوضع في الجزائر، حول وضعية الأجانب في فرنسا الخ. المؤتمر الصحفي والبيان الصحفي الرسمي لا يفيد في أي شيء؛ فالتحليل محسوب وممل، ومن غير الممكن أن يتم نشره في صحيفة ما إلا إذا كان موقعاً عليه من قبل اسم مشهور يجعله قابلا للتوزيع. حتى يمكن كسر هذه الحلقة يجب أن يتم ذلك عن طريق تحطيمها، لكن هذا التحطيم لا يمكن إلا أن يكون إعلامياً. يجب الوصول إلى تحقيق ضربة << تهم وسائل الإعلام أو على الأقل إحدى الوسائط>> والتي يمكن أن تتضخم بالتبادل بعد ذلك بسبب تأثير منطق المنافسة.1
إذا ما تساءلنا، وهذا سؤال يبدو ساذجاً بعض الشيء، كيف يتم إمداد هؤلاء الأفراد بالمعلومات وهم الذين يوكل إليهم أن يمدونا نحن بالمعلومات، فإنه يمكن القول بشكل عام إن إمدادهم بالمعلومات يتم بواسطة موّردين آخرين للمعلومات (مصادر المعلومات وكالات الأنباء العالمية، المصادر الرسمية ، وزارات، بوليس الخ.) ، لكن الجزء الأكثر أهمية وحسماً من المعلومات، أي المعلومات عن المعلومات<< تلك التي تسمح بتقرير ما هو هام، بتقدير ذلك الذي يستحق أن ينقل عبر وسائل الإعلام، هذا الجزء يأتي من مصادر معلومات أخرى>>. إن هذا يقود إلى نوع من التسوية أو المعادلة، إلى إحداث التجانس بين المراتب العليا التي تحتل المواقع الهامة. يتذكر بورديو مقابلة أجراها معه أحد مديري البرامج التلفزيونية؛ إنه نموذج لمن يعيش في البداهة والوضوح التام. سأله بورديو: »لماذا تضع هذا الخبر في المحل الأول وذاك في المرتبة الثانية؟« أجابه الصحفي: <<هذا بديهي>>. لهذا السبب، من دون شك، فإن هذا الصحفي يحتل الموقع الذي يشغله؛ أي أن هذه المستويات من الإدراك والفهم قد تمت معايرتها وضبطها وفقاً لمتطلبات موضوعية.1
إن المسؤلين الذين يحققون الإقبال الكبير من قبل المشاهدين يتمتعون بشعور بالوضوح ليس من الضروري أن يشاركهم فيه الصحفيون المبتدئون الصغار، أولئك الذين يقترحون موضوعاً ما فيأتيهم رد المسؤولين: »هذا موضوع ليست له أية فائدة...«. لا يمكن تقديم هذا الوسط كوسط متجانس: هناك الصغار، الشباب، هناك المخربون، المزعجون الذين يقاتلون ببأس من أجل مجرد إدخال اختلافات بسيطة داخل هذه الآلة الساحقة شديدة التجانس التي تفرضها الحلقة المفرغة للمعلومات التي تنساب بطريقة دائرية بين الأفراد الذين هم في مجموعهم أفراد خاضعين للمحددات المفروضة عليهم بسبب ضرورة تحقيق نسب إقبال عالية - ويجب عدم نسيان ذلك - إن الكوادر أنفسهم ليسوا إلا الأيادي المنفذة لتحقيق نسبة الإقبال العالية هذه الأوديمات (الأوديمات هو مقياس نسبة الإقبال التي تتمتع بها القنوات التلفزيونية المختلفة وتتوفر حالياً وسائل فنية تم إدخالها حديثاً لدى بعض القنوات تسمح بقياس الأوديمات كل خمسة عشر دقيقة بل يمكن رصد التنويعات المختلفة بين المشاهدين وفقاً للفئات الاجتماعية التي ينتمون إليها). لدينا إذن معرفة دقيقة جداً لهذا الذي يَلقى إقبالاً وذلك الذي لا يلقى إقبالاً من جانب المشاهدين. لقد أصبح هذا القياس لنسبة الإقبال أي الأوديمات الحكم الأخير بالنسبة للصحفيين: حتى في الأوساط الصحفية الأكثر استقلالية ربما باستثناء صحيفة لو كنار انشانيه وبعض النشرات الرائدة الصغيرة التي يحررها أفراد شجعان <<غير مسؤلين>>، فإن مسألة الأوديمات توجد حالياً داخل كل العقول. توجد اليوم <<عقلية أوديماتية>>(مهووسة بقياس نسبة الإقبال) في أروقة صالات التحرير، في دور النشر، الخ. في كل الأنحاء يفكرون وفقاً لاعتبارات النجاح التجاري.1
منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى ثلاثين عاماً فقط، منذ زمن بودلير وفلوبير الخ، كان الكتّاب المعترف بهم في اوساط الكتّاب الرواد، الكتاب المعترف بهم من قبل الكتاب أنفسهم، وكذلك الفنانون المعترف بهم من قبل الفنانين، كانوا ينظرون إلى النجاح التجاري المباشر والفوري موضع شك وريبة وكان ينظر إليه كعلامة على المساومة مع هذا الزمن، وتحديداً مع النقود... بينما اليوم وبشكل متزايد أكثر وأكثر تم الاعتراف بالسوق كجهة رسمية لإضفاء الشرعية. إن المنطق التجاري هو الذي يفرض نفسه على الإنتاج الثقافي. إذا كان الأمر كذلك يصبح من المهم معرفة أنَّ كل الإنتاج الثقافي الذي نقدره ونعتبره ذا قيمة تاريخية حقاً – ويآمل بورديو أن لا يكون الوحيد في ذلك - ليس إلا إنتاج عدد معين من الأفراد وهو الذي يعتبر بمنزلة الإنتاج الأكثر رقياً للإنسانية، في الرياضيات، والشعر، والأدب، والفلسفة، كل هذه الأشياء قد أنتجت ضد معادلة الإقبال الجماهيري، ضد المنطق التجاري. نرى تغلغل عقلية الأوديمات هذه حتى لدى الناشرين الطليعيين، وحتى داخل المؤسسات العلمية التي تعدّل من أوضاعها لممارسة التسويق، إن هذا يثير قلقاً بالغاً لأن هذا الوضع يخاطر بأن يضع موضع التساؤل ظروف إنتاج الأعمال التي يمكن أن تبدو غامضة أو مبهمة لأنها لا تستطيع
أن تحقق ما ينتظره منها الجمهور وإن كانت قادرة على أن تخلق جمهورها عبر الزمن.

*****
ما لا نراه فى التلفزيون

هذه الصور اخذت فى االقاهرة نضعها بدون تعليق لانها لاتحتاج الى تعليق ! 1

فقط ربما يلزم بعض التوضيح الذي سنقدمه فى العدد القادم الى اللقاء قريبا ملاحظة : الصور الاولى التقطت فى القاهرة حوالي عام 1884

الصور الحديثة التقطت فى القاهرة منذ شهور مضت عدسة خان الخليلي