خان الخليلي أرشيف الذاكرة الجمعية المقاومة للكذب والتشويه... ذاكرة المكان والزمان...ذاكرة تتداخل فيها الصورة مع الكلمة ويتفاعل فيها العام مع الخاص فى محاولة لفهم ماحدث ومايحدث فى مصر
KHAN ELKHALILI
vendredi, décembre 29, 2006
mercredi, décembre 27, 2006
قوانين الفوضى والعشوائية
ما يحدث فى العراق تم اختباره وتطبيقع من قبل فى يوغسلافيا التى اصبحت سابقة مثل الاتحاد السوفيتي السابق وتمهيدا لمايراد له الشرق الاوسط او العالم العربي وفقا لمشروع القرن الامريكي الجديد الذي صاغه منظروا المحافظون الجدد .1 استطردت أو استدرجت الى هذا التمهيد الذي لم اكن افكر فيه احتراما للتخصصات المهنية حيث انني ليس من خريجي كلية العلوم السياسية لكنني من خريجي كلية العلوم فقط!1
لكن كم كانت دهشتي وفى نفس الوقت سعادتي الفكرية عندما اكتشفت ان أصل هذا المصطلح الذي اثار كل هذه الزوابع والثرثرات مأخوذ من مجال العلم الطبيعي وهو ما درسته فى كلية علوم القاهرة عندما كانت كلية محترمة وقبل ان نرى فيها اساتذة وليس معيدين او طلابا يفسرون النظريات العلمية فى الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والفلك بواسطة الآيات القرآنية والاحاديث النبوية . اذن مصطلح الفوضى ومنه الفوضى الخلاقة وكذلك مايعرف بالحركة العشوائية او السلوك العشوائي الذي كان يدرسه لنا اساتذة افاضل بشكل رائع بالفعل كما كانوا يدرسون لنا ميكانيكا الكم والفيزياء النووية والالكترونيات لم يكن مجرد لفظ على الطلاب ان يحفظوه ثم يلقون به يوم الامتحان اذا سؤلوا فيه، هذا المصطلح المفهوم تحول الى احد اركان البناء المعرفي الذي ترسخ عبر نظريات واكتشافات العلم الطبيعي فى القرن العشرين. ولأنه مفهوم يتجاوز اللفظ به، فلقد انتقل الى مجالات معرفية وتطبيقية كثيرة من بينها مجال النظرية السياسية والعلوم الاجتماعية والانسانية ووجد له تطبيقات عديدة اثبت الكثير منها صحته العلمية.1
اكتفي بهذا القدر التمهيدي واطلب من اصدقاء وزوار خان الخليل فى هذا العدد التحلي بالصبر عند قراءة النص الذي يلي ذلك وهو محاولة لفهم مدى إمكانية تطبيق ما تعلمناه على الواقع المصري او هى محاولة للتفكير بشكل مختلف عما هو سائد فى مصر الآن. قد يبدو هذا التناول بهذا الشكل نوع من المغامرة التى قد ترهق البعض فكريا نظرا لشيوع نوع آخر من القضايا التى احتلت مقدمة الإهتمامات سواء فى الصحافة او وسائل الاعلام الاخرى وفى القلب منها التليفزيون الذي هيمن على كل شئ حتى اصبح الأداة الاساسية للعمل السياسي كما ان اي نشاط ثقافي أوفكري لايمر عبر التليفزيون لايسمع احد شيئا عنه وهذا يفسر ما اصبح عليه حال الثقافة والفكر فى المجتمع المصري.1
تطبيقات نظريات الفوضى لاتقتصر فقط على مجال العلم السياسي كما شهدنا جميعا ونشهد حاليا وسنشهد فى المستقبل، لكن يتم تطبيقها ايضا فى مجال العلم الاجتماعي بشكل عام و سوسيولوجيا الدين ودراسة النظم الاجتماعية السياسية بشكل خاص. فى الجزء التالي محاولة لشرح هذا المفهوم تمهيدا لتطبيقه على النظام الحالي فى المجتمع المصري كمثال يمكن ان نعممه على بقية المجتمعا ت العربية. لكي نطبق العلم والنظريات العلمية التى يستخدمها خصومنا ضدنا علينا ان نتحلى بداية بتفكير علمي ونتصدي للتفكير السلفي سواء كان من السلفية الدينية او السلفية اللادينية لان السلفية لاتقتصر على المجال الديني فقط بل ان معطم مانشاهده ونعاني منه ياتي من قوى السلفية اللادينية.1
هناك اسئلة كثيرة مطروحة ومعارك أكثر تستحوذ على اهتمامات النخب المصرية ولقد تناولت خان الخليلي موضوع النخب المصرية وكيفية انتاجها فى المجتمع المصري وكذلك آليات انتاج وإعادة انتاج النخب فى المجتمع المصري وتدوير هذه النحب المصرية فى الوقت الحالي من قبل ويمكن للقارئ ان يرجع الى الاعداد السابقة للاطلاع على مانشر والذي لايزال له اجزاء فى طريق الاستكمال والنشر قريبا. لكن بقدر كثرة الاسئلة والقضايا الاساسية إلا ان ما يحتل إهتمام الصحافة ووسائل الاعلام يمكن ان ينطبق عليه وصف القضايا الزائفة التى تعالج بشكل بالغ الجدية وافضل مثال على ذلك هو الدور الذي يلعبه التليفزيون حيث نرى كيف تعالج القضايا الزائفة بشكل بالغ الجدية فى حين ان القضايا شديدة الاهمية والجدية تعالج بشكل زائف او لاتعالج على الاطلاق. ان الظواهر الجديدة التى طفت على سطح المجتمع وهى الظواهرر التى شهدها المجتمع المصري خلال السنوات الاخيرة لايمكن فهمها دون تحليل لطبيعة الآليات التى تنتج هذه الظواهر وهى فى صميم موضوع زيادة الانتروبيا فى النظام الاجتماعي السائد ويمكن لمن يريد مزيد من الاطلاع على هذه الآلية فى التعامل مع القضايا فى وسائل الاعلام ان يعود الى كتاب عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو عن هذا الموضوع والذي ترجم تحت اسم التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول الذي صدر منه ثلاث طبعات حتى الآن وستصدر طبعة رابعة منه قريبا عن دار ميريت بالقاهرة. كما يمكن الاطلاع على العرض الوافي لهذا الموضوع فى الاعداد السابقة فى ارشيف خان الخليلي.1
فى نهاية هذا التمهيد أرجو من القارئ العزيز ان يتحلى ببعض الصبر عند قراءته لما يلي من نصوص ذلك ان غياب التحليل العملي والمعالجات العلمية من هذا النوع لقضايا المجتمع المصري قد ترك انطباعا بان التحليل والتناول العلمي شئ ليس من اختصاصنا ويكفينا قضايا الشغوذة والحجاب وفتاوي القنوات الفضائية واذا فرض موضوع اساسي نفسه فإنه يعالج بطريقة تتسم بالرؤية الأنية والمصلحية التى تتصور ان تأمين مصلحة وامتيازات فئة او جزء من النظام يمكن ان يكون بديلا عن اعادة بناء النظام الاجتماعي السياسي بأكمله طالما ان ادوات الضبط البوليسي والاعلامي تستخدم كبديل عن الاستخدام الأمثل للموارد والطاقات الكلية فى المجتمع. لقد اصبح التليفزيون اداة للهيمنة والضبط السياسي والاجتماعي ويلعب بجانب النظام الامني المتضخم دور السيطرة على الفوضى المتزايدة فى النظام . يكفي تامل الكيفية التى يتم بها معالجة قضايا تدخل فى صميم بنية وآلية عمل النظام السياسي أى مسألة تعديل الدستور وكيف ان القائمين على تصميم وهندسة النظام الاجتماعي السياسي لايدركون على الاطلاق ان مايحدث بالشكل الذي يحدث به هو اصرار على دفع الانتروبيا الى التعاظم أى الدفع باتجاه زيادة الفوضى فى النظام. التعديلات أو التفصيلات الدستورية التى يتم تجهيزها حاليا لاتحتاج الى اثبات ان ثمة غياب فعلي للتفكير العلمي والعقلاني الذي يبحث عن تقليل مقدار الفوضى او الانتروبيا فى النظام الحالي بل ان كل الخطوات والاجراءات التى تتم تدفع باتجاه زيادة الفوضى وقد تحتاج هذه المسألة معالجة خاصة لانها نموذج مثالي عن العقلية اللاعلمية السلفية التى تتولى مسئولية ادارة النظام الاجتماعي السياسي فى المصري حاليا..1 الى اللقاء
dimanche, décembre 24, 2006
قوانين الفوضى والحركة العشوائية فى المجتمع المصري
من العبث كما اشرنا فى بداية هذا التناول تصور ان يحقق نظام ما نتائج متوازنة بحساب الطاقات لمجرد ان جزء من النظام يبدو انه يعمل بكفاءة فى حين ان باقي الاجزء التى يتكون منها النظام لاتعمل بالكفاءة اللازمة . تقليل قيمة الانتروبيا او الفوضى القائمة في النظام يجب ان يكون الهدف الاستراتيجي لأي سياسات أو مشروعات مستقبلية وغير ذلك لن يكون إلا عبث لايعود على النظام بأي فائدة. قد يستمر نظام ما فى العمل لمزيد من الوقت لكنه يستمر فى تبديد الطاقات وهدر الموارد فى ظل فقدان لأهداف وغايات واضحة للمستقبل ، كل ذلك يعاظم من قيمة انتروبيا النظام او قيمة الفوضى حتى تحين حالة الانهيار التام ويتوقف النظام بأكمله عن العمل بما فيه ذلك الجزء او تلك الاجزاء التى كان يتصور انها تعمل بكفاءة. من يهمه مستقبل مصر عليه ان يتحلى بتفكير علمي فعلي وممارسة عملية عقلانية ولن يفيد شئ تلك الحلول التلفزيونية أو زيادة أدوات التحكم وكبت الطاقات المهدرة والمشتتة لانه مهما كانت صلابة الاجهزة التى تقوم بذلك إلا انها فى نهاية الامر جزء من هذا النظام الذي يبدد الطاقات الكلية للمجتمع و تتزايد فيه قيمة الانتروبيا باستمرار حتى تحين لحظة الانهيار او التوقف التام عن العمل. 1
فى نهاية هذه المقدمة التى طالت بعض الشئ، ثمة دعوة لكل من يرى فى هذا التحليل منهج مختلف عما هو سائد، دعوة للتأمل والتفكير فى كيفية بناء مشروع مستقبلي لمصر يستخدم منهجا علميا بالفعل فى حسابات الطاقات والامكانيات ويدرك قوانين الفوضى والكوارث ونظريات الألعاب، هل هناك من يرغب فى اللعب؟
الى اللقاء لنستكمل معا البحث عن قوانين الفوضى والحركة العشوائية فى المجتمع المصري علنا نقدم ما يساعد على تقليل مقدار الانتروبيا و التصدي السريع لهدر الطاقات والامكانيات.1
dimanche, décembre 10, 2006
نظرية الفوضى CHAOS THEORY
vendredi, décembre 01, 2006
تعليق على ماحدث
لكن، كما ان هناك مفاهيم أساسية اصبحت جزءا من البناء المعرفي الحديث، فإن هناك مفاهيم ملازمة تشير الى العوائق المعرفية و الانقطاعات المعرفية . هذان المفهومان على وجه التحديد قدمهما فيلسوف المعرفة الفرنسي جاستون باشلار ويحدد فيهما الدور الذي تلعبه الاهواء والمعتقدات الشخصية وكذلك المصالح الذاتية فى تزييف القضايا المعرفية، بالاضافة الى ذلك طبيعة دور العادات والافكار الكامنة فى الثقافة العامة فى مقاومة الموضوعية العلمية و التفكير العقلاني. لا يمكن الحديث عن معرفة علمية أو انسانية بشكل عام دون الحديث عن عملية انتاج هذه المعرفة ودور العامل الانساني والاجتماعي وكذلك التكوين النفسي فى عملية انتاج هذه المعرفة. المعرفة الموضوعية تتطلب " الغاء " أو انتفاء العامل الشخصي (الذاتي) واللجوء الى التجريد العقلاني للقضايا والظواهر موضع البحث. فى نفس الوقت الذي يجب الانتباه فيه الى التأثير السلبي لهذه العوامل الذاتية والمصلحية على موضوعية المعرفة والتفكير العلمي، فإن دور الخيال والتخيل كمحرك لعملية الابداع العلمي وكذلك الابداع الشعري والادبي لا يمكن ان يزدهر إلا فى ظل حرية الفكر والتفكير، حرية البحث والفهم، حرية التعبير والممارسة. كم هو محزن حقا هذا الجدال الزائف الذي شغل النخب المصرية خلال الايام السابقة ! لم تهتم هذه النخب بنفس القدر من الجدية بقضية بالغة الخطورة حدثت فى وسط البلد اول وثاني ايام عيد الفطر الماضي رغم ما تحمله من دلالات بالغة التحذير لما هو كامن تحت السطح! لم نسمع عن جدل او مناقشات فكرية او حتى ثقافية عامة حول قضايا تتعلق بالاكتشافات العلمية الحديثة فى الفزياء والكيمياء المعاصرتين او عن النتائج الفلسفية والمعرفية للنظريات العلمية الحديثة فى هذه المجالات وغيرها من مجالات العلم الحديث. حتى القضايا الفلسفية او الفكرية التى يغرق فيها العالم الآن لاهثا وراء الاكتشافات المتسارعة فى مجالات التكنولوجيا المتقدمة وتأثير ذلك على شكل وطبيعة التغيرات التى تشهدها وستشهدها المجتمعات فى المستقبل القريب، كل ذلك اختفى وغاب وراء الحجاب ! اما الفلاسفة الذين لايزالون يمتهنون حرفة الكلام وتفصيل القواعد وحجب ما هو اخطر من الحجاب لعلهم لايدركون ان فلسفاتهم هذه لم يعد لها وجود، وفى هذا العصر اصبح العلم هو الذي ينتج الفلسفة
* * *
تلميذات فى انتظار المترو
بدون تعليق
فى نهاية هذه المحاولة لفهم ماجرى، ربما بشكل مختلف، هناك عدة ملاحظات قد تكون مفيدة للقارئ المهتم بتأمل بعض مايحدث من حوله الان وعلاقة ذلك بأشياء اخرى لاتثار لانها تتخفى وراء حجاب اشد خطرا من الحجاب اياه
***
فى المجتمعات التى تتميز باستفحال الازمات الاقتصادية والاجتماعية وتخضع لهيمنة نظم سياسية لاتسمح بتعددية سياسية حقيقية وبتبادل ديموقراطي للسلطة، تصبح امكانية الحصول على المعارف والمواد الثقافية المتنوعة محصورة فى قلة قليلة جدا ان لم تكن مستحيلة. نتيجة لذك يصبح المصدر الاساسي للثقافة العامة محصورا فى مجالين فقط هما التعليم والاعلام. فى مجال التعليم المدرسة هى مصدر مايتلقاه الفرد منذ سن السادسة وحتى نهاية الفترة الالزامية للتعليم ( نظريا على الاقل اذا ماستبعدنا نسبة التسرب التعليمي وهى عالية ). فى مجال الاعلام يأتي جهاز التلفزيون على قمة ادوات الاعلام التى تصل بسهولة الى جميع افراد المجتمع تقريبا، تلي ذلك الصحف اليومية والدورية وهى فى مجموعها لاتقارن من حيث الاهمية الكمية بعدد مشاهدي التليفزيون. اذن سنكتفي هنا بملاحظتين حول المصدرين الاساسيين للثقافة العامة فى مجتمع مثل المجتمع المصري :1
اولا - المصدر الاول وهو التعليم الاساسي اى المدرسة والسؤال الذى يطرح يتعلق اساسا بما تقدمه المدرسة من ثقافة علمية اى ان السؤال يتعلق بشكل اشمل بقضية برامج او مناهج التعليم. ماهى المواد التى تدرس فى المدارس على مختلف المستويات ؟ ماهى مناهج او طرق التدريس المتبعة ؟ كيف يتم تكوين المدرس (علميا وتربويا...) وماهى اوضاعه الوظيفية (الاقتصادية والاجتماعية) ؟ من الممكن ان نستمر فى طرح العديد من الاسئلة لكن هدفنا هنا ليس بطبيعة الحال ان نناقش تفصيلا هذا الموضوع وانما نريد فقط التنبيه الى ان المدرسة بما تقدمه من معلومات وبالطريقة التى تقدم بها هذه المعلومات تلعب دورا رئيسيا فى تشكيل " الثقافة العامة السائدة " . حتى تكون اهمية وخطورة هذه المسالة واضحة للقارئ يكفى القاء نظرة على ماتحتويه برامج التعليم ليس فقط على مستوى التعليم الاساسي وانما على مستوى التعليم الجامعي. ان مايقدم فى كليات الاداب فى اقسام الفلسفة والعلوم الاجتماعية على سبيل المثال يعكس بوضوح غياب كامل للتفكير العلمي الموضوعي وللعقلانية فى تطبيق المعارف التى تقدم للطلاب. ان تعالج نظريات التطور والنظريات العلمية التى تشكل البناء المعرفي للعالم الذى نعيش فيه بخفة شديدة واهمال ( وبتفسيرات دينية لاعلاقة لها بمجال التخصص) فى مناهج الفلسفة بالجامعات فان ذلك كاف لفهم جزء من الاجابة على السؤال الخاص
بعودة الافكار المتخلفة اللاعلمية واللاعقلانية للظهور والانتشار من جديد
ثانيا - الاعلام اى التلفزيون على وجه التحديد وهو اهم واخطر مصدر للثقافة العامة فى المجتمع, عندما نتحدث عن التلفزيون فاننا نقصد مايقدمه من برامج بشكل عام ومن برامج علمية وثقافية بشكل خاص. التلفزيون يصل تقريبا الى كل فرد. من يتحكم فى التلفزيون يتحكم فى تشكيل والسيطرة على المصدر الاساسي للثقافة العامة. اذا كانت الثقافة العامة بما تحويه من خليط الافكار والقيم السائدة هى الارض التى يلجأ اليها هؤلاء الذين يقاومون التقدم ويحاربون كل ماهو علمي وعقلاني فان التلفزيون يقدم لهم هذه الامكانية بهيمنة ساحقة. كذلك وحتى لاتتحول هذه الملاحظات عن هدفها اذكر هنا مثاليين فقط يمكن ان يعبرا بشكل واضح للغاية عن الدور الذى يقوم به التلفزيون فى تشويه الثقافة العلمية وترسيخ الجوانب الغيبية والمتخلفة فى الثقافة العامة، أي كيف ان التلفزيون قد اصبح عائقا أمام المعرفة
المثال الاول هو ذلك البرنامج (العلمي) الذي يقدمه منذ سنوات طويلة كاتب وصحفى معروف. فى هذا البرنامج يتم عرض حلقات تم وضع مادتها العلمية من قبل علماء ومتخصصين وتم تصويرها والتعليق عليها علميا من قبل افراد مؤهلين تم اختيارهم من قبل شركات الانتاج والمراكز العلمية المتعاونة معها. هذه البرامج المستوردة من الدول الاوروبية بالاضافة الى امريكا واليابان يتم عرضها بعد تفريغها من المادة العلمية الاصلية (الاحتفاظ بالصورة مع حذف التعليق العلمي)، بعد ذلك يقوم مقدم البرنامج بتقديم تعليقه الشخصي على الصور التى يقدمها البرنامج. هذا التعليق يرتكز اساسا الى مرجعية دينية وهو عبارة عن تفسير ديني شخصي بحت من تصور واسقاط الكاتب لا علاقة له بالبرنامج الأصلي
2 - المثال الثاني وهو معروف جدا بحكم انتشاره الواسع واستمراريته منذ سنوات طويلة ايضا هو برنامج يقدمه داعية ديني مشهور يتناول فيه تفسيره الديني لكل شئ فى الحياة وهو بطبيعة الحال برنامج يكرس التفكير الغيبي
والقدري ويلغى من عقول المشاهدين اية امكانية للتفكير النقدي التأملي العلمي والعقلاني هذان المثالان كافيان لاعطاء صورة عن الوضع الحالي لاهم واخطر مصدرين من مصادر الثقافة العامة فى مجتمع مثل المجتمع المصري، ولن اشير الى الموضات الجديدة التى انتشرت على القنوات الفضائية والمعروفة بالدعاة التلفزيونيين والفتاوي التلفزيونية التى تتنافس على تقديمها القنوات الرسمية والخاصة. بعد ذلك عندما تظهر موجات التخلف الفكري والتطرف والتعصب الديني وتنتشر فى المجتمع هل يمكن لنا ان نتعجب ؟ ان الاسباب تؤدى دائما الى النتائج، الاسباب هنا واضحة وايضا النتائج التى لايستطيع انكارها احد. بالطبع ان مانهدف اليه هنا يتوقف عند محاولة رصد بعض الظواهر والاشارة الى بعض الامثلة التى قد تساعد القارئ الذى لايزال يمتلك القدرة على التفكير النقدي والتأمل وطرح الأسئلة بل والقدرة على الدهشة، ان يحاول فهم ظواهر الواقع الذى يعيش فيه، اما معالجة وتحليل هذه الظواهر وتلك الامثلة فهى تحتاج الى دراسات متعددة تدخل فى مجالات تخصص مختلفة ربما يوجد من بين القراء من يستفز فيجرى الدم فى عروقه ويخلع عن نفسه ثوب اللامبالاة والكسل العقلي والاستسلام القدري لما وصلت اليه الاوضاع فى المجتمع المصري، مرة اخرى المقدمات تؤدي حتما الى نتائج وما نشهده الآن هو نتيجة لما كان يتم منذ عقود، من المسئول عما حدث؟ من الذي كان يتولى مسئولية وضع السياسات الثقافية والتعليمية والاعلامية خلال العقود الثلاثة الاخيرة؟ من الذي كان يقوم بتنفيذ هذه السياسات التى شكلت "الوعى العام والثقافة العامة" السائدة فى المجتمع المصري حاليا؟
كم سيكون المشهد مثيرا للدهشة والسخرية عند نهاية العرض عندما يصل المحقق الذي لايزال يتمتع ببعض الخيال الى اكتشاف ان القاتل هو الضحية ! وان الجريمة مستمرة ! ان الكل مشارك فيما حدث ولازال يحدث! ان ما هو آت أفدح ! وانه لم يعد هناك وقت للاستمرار فى هذا العبث لان القضية تحولت الى قضية ان نكون او لانكون!