آليات إنتاج وإعادة إنتاج النخب فى المجتمعات العربية
محاولة للفهم
فى كتابه عن التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول يصف عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيير بورديو النخب الفرنسية التى وظفت خطابها الايديولوجي للدفاع عن النظام بكلاب الحراسة الجدد. لم يعرف عن بورديو انه سليط اللسان او انه يستخدم الكلمات جزافا، وهو يستخدم هذا الوصف فى كتابه للتعبير عن معنى محدد يدركه كل من يعمل فى مجال العلوم الاجتماعية ولم يقصد به شتيمة او إساءة شخصية لهذا النخبوي او ذاك. بعد ان يقدم بورديو تحليله النظري عن كيفية انتاج وإعادة انتاج النخب فى كتابه الهام "إعادة الإنتاج"، يقدم فى كتابه عن التلفزيون امثلة محددة للدور الذي تلعبه هذه النخب فى مجال الاعلام سواء فى الصحافة او فى التلفزيون. يحتل هذا الموضوع مكانا هاما فى المجتمع الفرنسي، والمتابع للحياة السياسية والاجتماعية فى فرنسا يدرك جيدا الدور الذي تلعبه "المدارس العليا" وكذلك معاهد تفريخ النخب مثل :1 CELSA مدرسة الدراسات العليا لعلوم الاتصالات والمعلومات
ENA المعهد الوطني للإدارة
IEP معهد العلوم السياسية
EHESS مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية
ECOLE NORMALE SUP بالاضافة الى مدرسة المعلمين العليا
وبعض التخصصات فى عدد من الجامعات المتميزة الخ
من هنا فإن آليات إنتاج وإعادة انتاج وتدوير النخب تحتل مكانة مركزية فى المجتمع وقدرته على تجديد نفسه فى نفس الوقت الذي يؤمن فيه استمرارية الحفاظ على تماسكه والخصائص المميزة لهويته ومدى صلابة الأسس التى يبنى عليها قدرته على استيعاب التنوع والثراء فى التركيب الاجتماعي.1
اذا كان ذلك ما يحدث فى مجتمع مثل المجتمع الفرنسي ، هل يمكن تطبيق منهج بورديو على المجتمعات العربية؟ بعبارة اخرى، ماهي طبيعة النخب التى تتولى مواقع الصدارة فى مختلف مجالات الحياة فى المجتمعات العربية؟ ماهي الآلية التى يتم بها انتاج هذه النخب وإعادة انتاجها؟ هل تعبر هذه النخب عن مصالح فئات وشرائح اجتماعية حقيقية ام انها مجرد تعبير مشوه تنتجه المجتمعات التى تتسم بقدر كبير من التشوه سواء فى التركيب الاجتماعي او فى الآليات التى تفرز بها هذه النخب؟ هذه الاسئلة وغيرها كثير تحتاج الى معالجات جادة تستلهم طرق ومناهج البحث السوسيولوجي ومناهج بحثية أخرى اذا لزم الامر. فيما يلي محاولة لفهم ظاهرة النخب فى المجتمعات العربية، نأخذ فيها المجتمع المصري كنموذج "بالمعنى الفيبري" يمكن ان نطبق النتائج التى نصل اليها على بقية المجتمعات العربية التى لاتزال تحكمها عوامل" قبلمجتمعية" فى انتاج النخب << دور "الظاهرة البترولية" فى إفساد النخب العربية، ونقصد بالظاهرة البترولية هنا تأثيراتها السياسية والاجتماعية والثقافية ليس فقط على المجتمعات المنتجة للبترول وإنما على كافة المجتمعات العربية بلا استثناء وهذا يحتاج الى بحث مستقل نأمل ان نتناوله فى فرصة قادمة. بالاضافة الى ذلك هناك دور رئيسي تلعبه العوامل الطائفية والعشائرية والقبلية الخ ، والتى تكشف مدى عمقها وتوغلها فى بنية المجتمعات العربية "العراق وسوريا ولبنان و المجتمعات الخليجية" مثال واضح على ذلك
***
نواصل معا استكمال تناول الأبعاد والمستويات المختلفة لهذا الموضوع، الى اللقاء