أيها النيرون، هنالك شئ ما فى عالمكم غلط
هل لايزال فى مصر من يستمع الى أصوات العقلاء؟
تعليق على مقال عاقل
يموج المجتمع المصرى حاليا بحركات كثيرة، البعض منها وهو الأقل، يظهر على السطح فيما نشاهده من مئات الاضرابات والمظاهرات والاعتصامات وأشكال اخرى عديدة من التعبير آخرها ماشهدته مصر فى 6 ابريل وما يمكن ان تشهده فى 4 مايو القادم. لكن ما يموج تحت السطح أخطر بكثير مما نشاهده فوق السطح بل يمكن القول انه يثير القلق والخوف مما يمكن ان تشهده مصر اذا لم يستمع من لايزال يهتم بمستقبلها الى الأصوات والدعوات العاقلة التى تنبه الى
فداحة مايمكن ان يحدث اذا ما انفجر البركان القابع تحت السطح.
تحت السطح عنف كامن تراكم عبر عقود من القهر والاستبداد وقدر هائل من الفساد تواكب مع أكبر عملية تجريف لثروات المجتمع المادية والفكرية معا. المادة البشرية لهذا العنف تتمثل فى حوالي أربعين مليونا من المصريين الذين يعيشون فيما يعرف بأحزمة الفقر والمناطق العشوائية سواء تلك التى تحيط بكل المدن أو الأحياء الشعبية القديمة داخل العاصمة والمدن المصرية الاخرى التى شهدت خلال العقود الثلاثة الاخيرة انهيار شبه كامل فى الخدمات والمرافق الاساسية الأمر الذى ادخلها فعليا الى خريطة المناطق العشوائية. تتحدث الحكومة الذكية عن مشروع قومي للبطاقة الذكية يتم إعداده حاليا من القرية الذكية، مشروع يشمل عشرين مليون مواطن ! هذا فيما يتعلق ببند الغذاء، لكن أصحاب الذكاء الاصطناعي وخبراء المعلوماتية لم يشيروا الى كيفية التعامل مع باقي بنود الحياة وأي نوع من البطاقات الذكية يمكن ان يحل ازمات المواصلات والاسكان والصحة والتعليم ولا داعي للحديث عن الثقافة والفكر فهذا غير وارد
فى عصور الإنحطاط.
ليس الهدف من هذا التنويه تناول هذه القضايا التى تم تناولها من قبل فى خان الخليلي ويمكن الرجوع الى أرشيف العامين السابقيين لمعرفة المزيد. لكن ما يهدف اليه هذا التعليق هو ان ثمة أصواتا عاقلة لازالت ترتفع وتنبه الى الخطر الكامن والقادم اذا لم يتم تدارك الامور بحكمة العقلاء واستبعاد تهريج صراخ السفهاء الذين يحتلون شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد مدعومين بوهم أن الامن مستتب والدليل ان قوات وأجهزة الأمن موجودة فى كل مكان نتيجة لهذا التضخم السرطاني لها خصوصا تلك المنوط بها مواجهة حركات الاحتجاج ومختلف مظاهر الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده مصر حاليا. ربما تستطيع أدوات الضبط والتحكم وتحديدا أجهزة الامن والإعلام وفى القلب منها الامن المركزي والتلفزيون ان تسيطر لبعض الوقت على الأحداث التى تتفجر هنا وهناك كل يوم تقريبا، لكن المشاكل لاتحل بالأمن والتلفزيون وتأجيل الانفجار الكبير مطلوب بل ضروري بشرط ان يكون هناك من يعمل لحل المشاكل فعلا وليس تلفزيونيا. كمثال على ذلك تلك الحملات الإعلانية التلفزيونية التى تتكرر بين وقت وآخر وتحمل اسم القراءة للجميع، ليست هناك أية إحصائيات أو دلائل تشير الى ان القراءة قد زادت نتيجة هذه الحملات التلفزيونية ولانريد ان ندخل فى نقاش ليس هنا مكانه حول ان هذا الشعار ذاته لايعني ان المعرفة للجميع فالقراءة لاتعني المعرفة وكم من كتب وكتابات
يمكن ان تعيد قارئها الى عصور الظلام وأساطير وخزعبلات العصور الخوالي.
انهى هذا التعليق الذي تفرع عن الهدف المباشر له وهو الدعوة الى إعادة قراءة ما كتبه الاستاذ صلاح الدين حافظ فى صحيفة الاهرام يوم الأربعاء 23 أبريل والى التفكير مليا فى الافكار التى طرحها للخروج من الأزمة الراهنة التى يمر بها المجتمع المصري. فى أوقات الازمات يجب الانصات الى صوت العقلاء قبل ان يأتي الطوفان. والهدف من هذا التعليق هو الدعوة الى فتح حوار واسع حول ما جاء فى هذا المقال وليبادر عقلاء وحكماء مصر بالتعليق والاضافة أو طرح أفكار اخرى، المهم ان يتقدم العقلاء فى وقت يتعرض فيه المجتمع المصرى لمخاطر حقيقية تتعلق بمستقبله بل
وبمكونات وجوده ذاته.
الى من لم يقرأ دعوة الاستاذ صلاح الدين حافظ نعيد فيما يلي نشر مقال الأربعاء الماضي 23 أبريل.
الى اللقاء لمواصلة الحوار .
السنة 132
العدد
44333
23
ابريل
2008
17 من ربيع الآخر 1429 هـ
الأربعاء
مشــروع وطنـي للخـروج مـن هـذه الأزمــة!
بقلم: صلاح الدين حافظ
تظل مصر نموذجا مثاليا للدولة الإقليمية الكبيرة, التي تتعرض هذه الأيام لاحتقان سياسي واضطراب اجتماعي, نتيجة التحولات المتسرعة في التوجهات الاقتصادية... أي الانتقال المتعجل من حالة التخطيط المركزي إلي السوق الحرة وآلية العرض والطلب, بضغوط خارجية عاتية...أزمة مصر الحقيقية, أنها نامت طويلا ثم استيقظت علي صخب العولمة الشرسة, وأنيابها الحادة التي تدمي الفقراء ومتوسطي الحال, دون تدخل سيادي من الدولة لمد الرعاية والعدالة الاجتماعية وفرض سياسات حمائية للطبقات الأفقر, هي سياسات معمول بها حتي في الدول الرأسمالية العتيدة..خلال العامين الأخيرين تحديدا, بدأت ضغوط العولمة الشرسة وتأثيرات الليبرالية المتوحشة السلبية, تظهر علي سطح المشهد المصري أكثر من أي وقت مضي, وربما أكثر من أي دولة كبيرة التأثير فقيرة الإمكانات, وبقدر ما نعتقد أن الخروج من هذه الأزمة الحادة لن يكون سهلا أو قريبا, بقدر ما نعتقد أن المعالجة الحالية لهذه الأزمة لن تفك عقدتها الراهنة..ذلك أن الأمر أخطر, لا تنفع فيه المسكنات الاجتماعية والاقتصادية أو المهدئات السياسية, معالجة المرض العضال بالمسكنات هو عمل وقتي ربما لتخفيف بعض آلام المريض, لكنها تظل مسكنات لا تعالج المرض نفسه, الذي يستفحل يوما بعد يوم في ظل التعامي عن أسبابه ومخاطره.في هذا الصدد لايمكن إقناعنا بأن الاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة في مصر هذه الأيام, وأخطرها إضراب السادس من ابريل2008, هي مجرد تدبير شيطاني لجماعات تخريبية أو قلة متآمرة, ولايمكن إقناعنا بأن الحكومة والدولة نجحتا في استيعاب هذه الاحتجاجات بوسائل أمنية متشددة, وكذلك لايمكن اقناعنا بأن الأزمة الراهنة, من أزمة الخبز ومياه الشرب, إلي الاحتجاجات والاضرابات بين العمال والمهنيين والمثقفين هي مسئولية الحكومة الحالية, التي فشلت في حلها وعليها تحمل مسئولية هذا الفشل... وترحل!لقد قلنا من قبل ونكرر ثانية, إن المسألة ليست في فشل حكومة أو نجاحها, بقدر ما أن الأمر الجوهري يتعلق بالرؤية العامة والفلسفة الحاكمة كلها, فهي الأصل والأساس, إن وضحت تقدمنا وان غامت أو غابت وقع المحظور..***ولذلك نعيد طرح السؤال, ما رؤية مصر للمستقبل, كيف نحلم ونعمل بمصر بعد عشرين عاما من الآن, ما هي الفلسفة الحاكمة لتحويل هذه الرؤية, إن تبلورت, إلي خطط تنفيذية تتولاها حكومات كفؤة, يحاسبها برلمان شعبي منتخب انتخابا نزيها, وتقومها وترشدها صحافة حرة وإعلام مستقل, وتعارضها وتراقبها أحزاب سياسية ذات قوة وتأثير, ويحكم لها أو عليها رأي عام يقظ..ولأننا نعتقد أنه ما من حكومة حالية أو قادمة تستطيع الخروج من الأزمة الضاغطة الراهنة, خلال عامين مثلا, فإننا نقترح ترك مثل هذه الحكومة تعمل كما هي فالأزمة بلغت ذروتها, وبالمقابل نقترح أن تتشكل هيئة أو جماعة من العقول المستنيرة والأفكار الجديدة, تضم نحو200 شخصية من الداخل والخارج, لتضع من الآن مشروعنا السياسي القادم رؤية لمستقبل مصر حتي عام2025 كمرحلة أولي..وبقدر ما يجب أن تحيط الدولة هذه الجماعة المستقلة والوطنية بأكبر قدر من الحصانة, فإنه يجب أيضا أن يبتعد تشكيلها عن المجاملات وعن الانتماءات الحزبية الصارخة, وخصوصا للحزب الحاكم المهيمن الذي يقول لنا علي امتداد سنوات طوال, إنه يملك رؤية ومشروعا سياسيا للإصلاح الاقتصادي والسياسي والديمقراطي, فإذا بالنتيجة هي ما تعانيه مصر الآن من احتقان سياسي واضطراب اقتصادي واحتجاج اجتماعي تتصاعد وتيرته كل يوم..ومن باب الاجتهاد الشخصي, نقترح أن تناقش هذه الهيئة الوطنية تصور رؤية لمستقبل مصر حتي عام2025, تقوم علي أساس إعادة صياغة السياسات العامة والفلسفة الحاكمة كمشروع قومي موحد, يحدد المسئوليات والواجبات انطلاقا من خمسة مبادئ حاكمة وهي:* أولا: إجراء إصلاح ديمقراطي حقيقي يطلق الحريات ويحترم حقوق الإنسان, ويحترم تداول السلطة عبر انتخابات نظيفة تحت الإشراف القضائي, بما في ذلك تعديل الدستور أو وضع دستور جديد يتسق مع هذا التوجه.* ثانيا: الالتزام بالتنمية البشرية الشاملة, وهي بالمناسبة ليست من ميراث الأيديولوجية اليسارية كما يدعي البعض, لكنها من بديهيات الليبرالية العادلة في بعض دول الغرب الرأسمالي..* ثالثا: تحقيق العدالة الاجتماعية للطبقات والفئات الأفقر في مصر, وهي الأغلبية الساحقة, حين نعلم أن48 في المائة من المصريين أصبحوا تحت مستوي خط الفقر, وأن20 في المائة آخرين ينجرفون سريعا نحو خط الفقر بسبب الأزمة الاقتصادية الاجتماعية, وأن20 في المائة بعد ذلك يمكن أن نطلق عليهم المستورين, بينما تظل نسبة10 في المائة تتحكم في معظم الثروة والسلطة, وتتنازع الاختصاص وتتصارع بشراسة علي اكتناز الثروات ومحاصرة مصادر القرار والخضوع لسلبيات العولمة الشرسة..* رابعا: صياغة التزام وطني تاريخي بمحاربة تحالف الفساد والاستبداد في كل لحظة وفي كل مكان, يمثل عقدا اجتماعيا جديدا بين الشعب وحكامه..* خامسا: ترشيد الليبرالية المتوحشة وقمتها العولمة الشرسة, كما فعلت وتفعل دول رأسمالية وليبرالية غربية عتيدة, بدلا من ترك هذه العولمة تطحن الشعب الفقير المقهور أصلا..***أعرف مقدما أن هناك من قد يأخذ هذه الاقتراحات علي محمل الجد, بينما هناك من يسخر ويتجاهل ويدعي أن لديه ما هو أفضل... لكننا نعتقد بصورة واضحة أن هذه الأزمة الخانقة لن تحلها حكومة ترحل أو حكومة تأتي, طالما أن السياسات والفلسفة الحاكمة غير محددة الأفق وغير قادرة علي استشراف المستقبل, والحلم بوطن جديد للحرية والعدالة الاجتماعية.ولأننا نختتم هذه السلسلة من المقالات حول الأزمة الراهنة, وصعوبة حلها بالوسائل المتبعة حاليا, فإننا ننبه مرة أخري إلي خطورة سياسة التسويف وترحيل الحلول وعلاج الأزمات الخانقة بمسكنات وقتية, بينما التجاهل كامل لرؤية, لأفق, لحلم, لمشروع قومي يعيد صياغة المستقبل ويحقق النهضة التي نتمناها للوطن.ثم تبقي ملاحظتان في النهاية...الملاحظة الأولي وتتلخص في أن الاحتقان السياسي قد وجد حليفه الطبيعي وهو التوتر الشعبي والحركات الاحتجاجية والتذمر الاجتماعي, بسبب تردي أوضاع المعيشة, وهو تحالف سيتصاعد في ظل تعقد الأزمة وبرغم المواجهات الأمنية, مما ينذر بمزيد من الخطر الداهم..الملاحظة الثانية تصب هي الأخري في مجري الاحتقان والتوتر, ونعني حصر الصراع علي ثنائية السلطة والحزب الوطني الحاكم من ناحية وجماعة الاخوان المسلمين من ناحية ثانية, باعتبارها في عرف كثيرين, قوة المعارضة
الأولي... هذا صراع ثنائي ليس
حقيقيا, ولا يجب علي القوي السياسية والاجتماعية والفكرية الأخري, الوقوع في حبائل استقطابه إلي النهاية...
فكلاهما لا يمثل مصر الحقيقية!!كلاهما يتعيش علي مظاهر الأزمة...
*****
خير الكلام:
يقول أبوالعلاء في اللزوميات
نحن غرقي فكيف ينقذنا نجمان في حومة الدجي غرقان!